الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 72 ] النظر الثاني : في المناسخات .

                                                                                                                                                                        فإذا مات عن جماعة ، ثم مات أحدهم قبل قسمة التركة ، فللمسألة حالان . أحدهما : أن تنحصر ورثة الميت الثاني في الباقين ، ويكون إرثهم من الثاني مثل الإرث من الأول ، فتجعل الميت الثاني كأن لم يكن ، وتقسم التركة على الباقين ، ويتصور ذلك إذا كان الإرث عنهما بالعصوبة ، كمن مات عن إخوة وأخوات من الأب ، ثم مات أحدهم عن الباقين ، أو عن بنين وبنات ، ثم مات أحدهم عن إخوته وأخواته . وفيما إذا كان الإرث عنهما بالفرض في بعض الصور كمن ماتت عن زوج ، وأم ، وأخوات مختلفات الآباء ، ثم نكح الزوج إحداهن ، فماتت عن الباقين . وفيما إذا ورث بعضهم بالفرض وبعضهم بالعصوبة كمن مات عن أم ، وإخوة لأم ، ومعتق ، ثم مات أحد الإخوة عن الباقين . ولا فرق بين أن يرث كل الباقين من الثاني أو بعضهم ، كمن مات عن زوجة وبنين ، وليست أمهم ، ثم مات أحد البنين عن الباقين .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن لا يكون كذلك بأن لا ينحصروا ، إما لأن الوارث غيرهم ، وإما لأن غيرهم يشركهم ، وإما لاختلاف مقادير استحقاقهم ، فنصحح مسألتي الأول والثاني جميعا ، وننظر في نصيب الثاني من مسألة الأول . فإن انقسم نصيبه على مسألته ، فذاك ، وإلا ، فنقابل نصيبه بمسألته المصححة ، إن كان بينهما موافقة ضرب أقل جزء الوفق من مسألة الثاني في جميع مسألة الأول . وإن لم يكن ضرب جميع مسألته في جميع مسألة الأول ، فما بلغ ، صحت منه المسألتان . وإذا أردت معرفة نصيب كل واحد من الورثة مما حصل من الضرب ، فقل : كل من له شيء من المسألة الأولى ، يأخذه مضروبا فيما ضربته في المسألة الأولى ، وهو جميع المسألة الثانية أو وفقها . ومن له شيء من الثانية ، يأخذه مضروبا في نصيب الميت الثاني من المسألة الأولى ، أو في وفق النصيب إن كان بين مسألته ونصيبه وفق .

                                                                                                                                                                        [ ص: 73 ] مثاله : زوج وأختان لأب ، ماتت إحداهما عن الأخرى وعن بنت ، المسألة الأولى من سبعة ، والثانية من اثنين ، ونصيب الميت الثاني من الأول اثنان . زوجة ، وثلاث بنين ، وبنت ، ثم ماتت البنت عن أم وثلاثة إخوة ، وهم الباقون من ورثة الأول ، فالأولى من ثمانية ، والثانية تصح من ثمانية عشر ، ونصيب الميتة من الأول سهم لا يوافق ، فتضرب الثانية في الأولى ، تبلغ مائة وأربعة وأربعين ، للزوجة سهم مضروب في ثمانية عشر ، ولكل ابن سهمان في ثمانية عشر تبلغ ستة وثلاثين ، وللأم من الثانية ثلاثة مضروبة في سهم الميتة وهو واحد ، ولكل أخ خمسة ، فحصل للأم من المسألتين أحد وعشرون ، ولكل أخ أحد وأربعون . جدتان ، وثلاث أخوات متفرقات ، ثم ماتت الأخت للأم عن أخت لأم ، وهي الأخت للأبوين في المسألة الأولى . وعن أختين لأبوين ، وعن أم أم وهي إحدى الجدتين ، فالأولى من اثني عشر ، والثانية من ستة ، ونصيب الميتة من الأولى سهمان ، ونصيبها ومسألتها يتوافقان بالنصف ، فتضرب نصف مسألتها في الأولى ، تبلغ ستة [ وثلاثين ، كان للجدتين سهمان ، تضربهما في ثلاثة ، تبلغ ستة ، وكذا الأخت للأب ، وكان للأخت من الأبوين ستة ] تضربها في ثلاثة ، تبلغ ثمانية عشر ، ولها من الثانية سهم مضروب في وفق نصيب الميتة وهو سهم ، وللأختين للأبوين أربعة مضروبة في سهم ، وللجدة سهم في سهم ، فحصل للأخت الوارثة في المسألتين تسعة عشر ، وللجدة الوارثة فيهما أربعة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو مات ثالث قبل قسمة التركة ، فلك طريقان . أحدهما : تصحح المسائل الثلاث ، وتأخذ نصيب الميت الثالث من الأولين ، وتقابله بما صحت منه مسألته ، فإن انقسم [ ص: 74 ] نصيبه على مسألته ، فذاك ، وإلا فإن توافقا ضربت وفق مسألته فيما صحت منه الأوليان . وإن تباينا ، ضربت مسألته فيه . وعلى هذا القياس تعمل إذا مات رابع وخامس قبل القسمة . ثم من كان له شيء من المسألتين الأوليين أو من إحداهما أخذه مضروبا في الثالثة ، أو في وفقها ، ومن كان له شيء من الثالثة ، أخذه مضروبا في نصيب الثالث من المسألتين الأوليين ، أو في وفقه .

                                                                                                                                                                        الطريق الثاني : أن تصحح كل مسألة برأسها ، وتقابل نصيب كل ميت بمسألته ، فمن انقسم نصيبه على مسألته ، فلا اعتداد بمسألته . ومن لم ينقسم [ حفظت ] مسألته بتمامها إن لم توافق نصيبه ، أو وفقها إن توافقا ، وفعلت بها ما تفعل بأعداد الأصناف المنكسر عليهم سهامهم من المسألة الواحدة ، فما حصل ضربته في المسألة الأولى ، فما حصل قسمته ، فتضرب ما لكل واحد من الأولى في العدد المضروب فيها ، فما خرج فهو له إن كان حيا ، ولورثته إن كان ميتا .

                                                                                                                                                                        مثاله : زوجة ، وبنت ، وثلاثة بني ابن ، ثم ماتت البنت عن زوج ، وأخ لأم ، وأم وهي الزوجة ، ثم مات أحد ابني الابن عن زوجة ، وبنت ، وابن ابن ، وجدة ، وهي الزوجة في المسألة الأولى ، ثم مات آخر عن هذه الجدة ، وعن خمسة بنين وخمس بنات ، فالأولى من ثمانية ، والثانية من ستة ، والثالثة من أربعة وعشرين ، والرابعة من ثمانية عشر ، ونصيب البنت يوافق مسألتها بالنصف ، فترد مسألتها إلى ثلاثة ، فإذا معنا ثلاثة ، وثمانية عشر ، وأربعة وعشرون ، والثلاثة داخلة في أربعة وعشرين ، فتقتصر عليها ، وهي توافق ثمانية عشر بالسدس ، فتضرب سدس أحدهما في جميع الآخر ، تبلغ اثنين وسبعين ، تضربها في مسألة الميت الأول وهي ثمانية ، تبلغ خمسمائة وستة وسبعين ، ومنها تصح المسائل ، فمن له شيء من الأولى ، يضرب نصيبه في اثنين وسبعين ويقسم على ورثته .

                                                                                                                                                                        [ ص: 75 ] زوجة وثلاثة إخوة ، ثم مات أحدهم عن ابنين ، والثاني عن ابنين وبنت ، والثالث عن ابن وبنت ، فالأولى من أربعة ، والثانية ، من اثنين ، والثالثة ، من خمسة ، والرابعة ، من ثلاثة ، والسهام لا توافق المسائل فتضرب المسائل الثلاث بعضها في بعض ، تبلغ ثلاثين ، تضربه في المسألة الأولى ، تبلغ مائة وعشرين ، للزوجة منها سهم في ثلاثين ، ولكل أخ كذلك . فما للأول لابنيه ، لكل واحد خمسة عشر . وما للثاني لابنيه وبنته ، لكل ابن اثنا عشر ، وللبنت ستة . وما للثالث بين ابنه وبنته له عشرون ، ولها عشرة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هذا الذي ذكرنا تصحيح المناسخات . قال الفرضيون : وقد يمكن اختصار الحساب بعد الفراغ من عمل التصحيح ، وذلك إذا كانت أنصباء الورثة كلها متماثلة ، فترد المسألة إلى عدد رءوسهم ، وكذلك إذا كانت متوافقة بجزء صحيح ، فيؤخذ ذلك الوفق من نصيب كل واحد ، يقسم المال بينهم على ذلك العدد ، كزوجة ، وبنت ، وثلاثة بنين منها ، ثم مات أحد البنين عن الباقين ، فالمسألة الأولى من ثمانية ، والثانية ، من ستة ، ونصيب الميت الثاني سهمان يوافقان مسألته بالنصف ، فتضرب نصف مسألته في الأولى ، تبلغ أربعة وعشرين ، للزوجة ثلاثة ، وللبنت ثلاثة ، ولكل ابن ستة ، ومن نصيب الثاني للأم سهم ، وللأخت سهم ، ولكل أخ سهمان ، فمجموع ما للأم أربعة ، وللأخت كذلك ، ولكل أخ ثمانية ، فالأنصباء متوافقة بالربع ، فتأخذ ربع كل نصيب ، يبلغ المجموع ستة ، فتقسم المال عليها اختصارا . أما إذا لم يكن بين الأنصباء موافقة ، أو وافق بعضها فقط ، فلا يمكن الاختصار .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية