الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6927 ) فصل : إذا قطع بعض لسانه ، فذهب بعض كلامه ، فإن استويا ، مثل أن يقطع ربع لسانه ، فيذهب ربع كلامه ، وجب ربع الدية بقدر الذاهب منهما ، كما لو قلع إحدى عينيه فذهب بصرها . وإن ذهب من أحدهما أكثر من الآخر ، كأن قطع ربع لسانه ، فذهب نصف كلامه ، أو قطع نصف لسانه ، فذهب ربع كلامه ، وجب بقدر الأكثر ، وهو نصف الدية في الحالين ; لأن كل واحد من اللسان والكلام مضمون بالدية منفردا ، فإذا انفرد نصفه بالذهاب ، وجب النصف ، ألا ترى أنه لو ذهب نصف الكلام ، ولم يذهب من اللسان شيء ، وجب نصف الدية ، ولو ذهب نصف اللسان ، ولم يذهب من الكلام شيء ، وجب نصف الدية .

                                                                                                                                            وإن قطع ربع اللسان ، فذهب نصف الكلام ، وجب نصف الدية ، فإن قطع آخر بقية اللسان ، فذهبت بقية الكلام ، ففيه ثلاثة أوجه ; أحدها عليه نصف الدية . هذا قول القاضي . وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ; لأن السالم نصف اللسان ، وباقيه أشل ، بدليل ذهاب نصف الكلام . والثاني : عليه نصف الدية وحكومة للربع الأشل ; لأنه لو كان جميعه أشل ، لكانت فيه حكومة أو ثلث الدية ، فإذا كان بعضه أشل ، ففي ذلك البعض حكومة أيضا . الثالث : عليه ثلاثة أرباع الدية . وهذا الوجه الثاني لأصحاب الشافعي ; لأنه قطع ثلاثة أرباع لسانه ، فذهب ربع ونصف كلامه ، فوجبت عليه ثلاثة أرباع الدية ، كما لو قطعه أولا . ولا يصح القول بأن بعضه أشل ; لأن العضو متى كان فيه بعض النفع ، لم يكن بعضه أشل ، كالعين إذا كان بصرها ضعيفا ، واليد إذا كان بطشها ناقصا .

                                                                                                                                            وإن قطع نصف لسانه ، فذهب ربع كلامه ، فعليه نصف ديته ، فإن قطع الآخر بقيته ، فعليه ثلاثة أرباع الدية . وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي . والآخر ، عليه نصف الدية ; لأنه لم يقطع إلا نصف لسانه . ولنا ، أنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام ، فلزمه ثلاثة أرباع ديته ، كما لو ذهب ثلاثة أرباع الكلام بقطع نصف اللسان [ ص: 352 ] الأول ، ولأنه لو أذهب ثلاثة أرباع الكلام مع بقاء اللسان ، لزمه ثلاثة أرباع الدية ، فلأن تجب بقطع نصف اللسان في الأول أولى ، ولو لم يقطع الثاني نصف اللسان ، لكن جنى عليه جناية أذهبت بقية كلامه مع بقاء لسانه ، لكان عليه ثلاثة أرباع ديته ; لأنه ذهب بثلاثة أرباع ما فيه الدية ، فكان عليه ثلاثة أرباع الدية ، كما لو جنى على صحيح ، فذهب بثلاثة أرباع كلامه ، مع بقاء لسانه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية