الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6279 ) فصل : وإن طلق امرأته وهي حامل ، فوضعت ولدا ، ثم ولدت آخر قبل مضي ستة أشهر ، فهو من الزوج ; لأننا نعلم أنهما حمل واحد ، فإذا كان أحدهما منه ، فالآخر منه . وإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر ، لم يلحق الزوج ، وانتفى عنه من غير لعان ; لأنه لا يمكن أن يكون الولدان حملا واحدا وبينهما مدة الحمل ، فعلم أنها علقت به بعد زوال الزوجية ، وانقضاء العدة ، وكونها أجنبية ، فهي كسائر الأجنبيات . وإن طلقها ، فاعتدت بالأقراء ، ثم ولدت ولدا قبل مضي ستة أشهر من آخر إقرائها ، لحقه ; لأننا تيقنا أنها لم تحمله بعد انقضاء عدتها ، ونعلم أنها كانت حاملا به في زمن رؤية الدم ، فيلزم أن لا يكون الدم حيضا ، فلم تنقض عدتها به وإن أتت به لأكثر من ذلك ، لم يلحق بالزوج .

                                                                                                                                            وهذا قول أبي العباس بن سريج . وقال غيره من أصحاب الشافعي : يلحق به ; لأنه يمكن أن يكون منه ، والولد يلحق بالإمكان . ولنا ، أنها أتت به بعد الحكم بانقضاء عدتها ، في وقت يمكن أن لا يكون منه ، فلم يلحقه ، كما لو انقضت عدتها بوضع الحمل ، وإنما يعتبر الإمكان مع بقاء الزوجية أو العدة ، وأما بعدهما ، فلا يكتفى بالإمكان للحاقه ، وإنما يكتفى بالإمكان لنفيه ، وذلك لأن الفراش سبب ، ومع وجود السبب يكتفى بإمكان الحكمة واحتمالها ، فإذا انتفى [ ص: 66 ] السبب وآثاره ، فينتفي الحكم لانتفائه ، ولا يلتفت إلى مجرد الإمكان . والله أعلم .

                                                                                                                                            فأما إن وضعته قبل انقضاء العدة لأقل من أربع سنين ، لحق بالزوج ، ولم ينتف عنه إلا باللعان . وإن وضعته لأكثر من أربع سنين من حين الطلاق ، وكان بائنا ، انتفى عنه بغير لعان ; لأننا علمنا أنها علقت به بعد زوال الفراش . وإن كان رجعيا ، فوضعته لأكثر من أربع سنين منذ انقضت العدة ، فكذلك ; لأنها علقت به بعد البينونة . وإن وضعته لأكثر من أربع سنين منذ الطلاق ، ولأقل منها منذ انقضت العدة ، ففيه روايتان : إحداهما - لا يلحقه ; لأنها لم تعلق به قبل طلاقها ، فأشبهت البائن . والثانية ، يلحقه ; لأنها في حكم الزوجات في السكنى والنفقة والطلاق والظهار والإيلاء والحل ، في رواية ، فأشبه ما قبل الطلاق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية