الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
البـاب الثـاني

الفكر التربوي عند ابن باديس

الفصل الأول

دعائم الفكر التربوي عند ابن باديس

المبحث الأول : حالة التعليم في زمن ابن باديس

على الرغم من أن الشيخ عبد الحميد بن باديس اهتم بالتربية والتعليم اهتماما كبيرا، إلا أنه لم يفرد هـذا الموضوع بتأليف خاص، لكن المتصفح لآثاره المتناثرة في الصحافة الإصلاحية آنذاك، يخرج بصورة واضحة عن حالة التعليم في زمنه.

علم المستعمر أن استقراره واستتباب أمره، لن يتم مادام الإسلام حيا ينبض في قلوب الجزائريين وحياتهم، فناصبه العداء، وتعرض لمن يعلمه بالمكروه والبلاء.

يصف لنا ابن باديس تلك الحالة بقوله: (مضت سنوات في غلق المكاتب القرآنية، ومكاتب التعليم الديني العربي، والضن بالرخص [1] ، واسترجاع بعضها حتى لم يبقوا منها إلا على أقل القليل) [2] . [ ص: 107 ]

وعلى الرغم مما تعرض إليه معلمو التعليم العربي من مضايقات مستمرة وتهديدات متواصلة، إلا أن كثيرا منهم استبسلوا في سبيل القيام بواجبهم نحو دينهم ولغة دينهم. وكان على رأسهـم الشيـخ عبد الحميد ابن باديس، الذي ما ادخر جهدا في نشرهما، ومحاربة أعدائهما باللسان والقلم، من ذلك قوله: (فهمنا -والله- ما يراد بنا، وإننا نعلن لخصوم الإسلام والعربية، أننا عقدنا على المقاومة المشروعة عزمنا، وسنمضي -بعون الله- في تعليم ديننا ولغتنا رغم كل ما يصيبنا، وإننا على يقين من أن العاقبة -وإن طال البلاء- لنا، وأن النصر سيكون حليفنا، لأننا قد عرفنا إيمانا، وشاهدنا عيانا، أن الإسلام والعربية قضى الله بخلودهما، ولو اجتمع الخصوم كلهم على محاربتهما [3] )

ولا شك أن ذلك التضييق على تعليم الدين واللغة العربية، من قبل الاستعمار، كانت له آثار سلبية كبيرة على الشعب الجزائري بأكمله، حيث نشأت أجيال لم تتعلم من الإسلام إلا ما ورثته من الآباء والأجداد، مع ما أدخل عليه من بدع، وما أهمل من أخلاقه وآدابه. غير أن ما وصلت إليه حالة التعليم الديني والعربي من انحطاط، لم تثن الدعاة ورجال الإصلاح عن مواصلة جهودهم في تربية وتعليم أبناء الأمة، فالشعب الجزائري فطره الله على الإسلام ولن يرضى به بديلا، وأن ما أصابه -من غفلة وجهل- سوف يزول بعون الله أولا، ثم بجهود الدعاة والمربين.

يشخص لنا ابن باديس حالة الشعب وإمكانية علاجهـا، فيقـول: [ ص: 108 ] (إن الذي يبقي لنا في المسلمين الرجاء، ويفسح لنا الأمل، ويبعثنا على العمل، هـو أن ما عليه أكثرنا ليس عن زهد في الإسلام، ولا عن قلة محبة فيه، وإنما هـو عن جهل طال عليه الأمد، وغفلة توالت على الحقب.. وللجهل -بحمد الله- دواؤه الشافي وهو التعليم، وللغفلة علاجها النافع وهو التذكير [4] )

وعلى أية حـال، فإن وضع التعليم الديني والعربي في زمن ابن باديس، كان يمثل صورة واضحة للصراع الحضاري بين الشعب الجزائري المسلم، الذي يريد أن يحيا للإسلام وبالإسلام، وبين الاستعمار الفرنسي الصليبي، الذي جثم على صدره عقودا طويلة لتحويله عن دينه، إلا أن عناية الله ولطفه بهذا الشعب، جعلته يستيقظ على صيحات المصلحين، ويالها من يقظة مباركة، زلزلت الأرض تحت أقدام الصليبيين، فكانت كلمة الله هـي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، والحمد لله رب العالمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية