الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المبحث الثاني : جمعية التربية والتعليم الإسلامية

وهي أول جمعية إسلامية تعنى بالتربية والتعليم، يرخص لها في قسنطينة، وقد كان مكتب التعليم العربي [1] النواة الأولى التي انبثقت عنها هـذه الجمعية، التي اختارت الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيسا لها.

وعن تأسيس هـذه الجمعية يقول ابن باديس: (وفي سنة 1349هـ - 1930م، رأيت أن أخطو بالمكتب -مكتب التعليم العربي- خطوة جديدة، وأخرجه من مكتب جماعة إلى مدرسة جمعية، فحررت القانون الأساس لجميعة التربية والتعليم الإسلامية، وقدمته باسم الجماعة المؤسسة إلى الحكومة، فوقع التصديق عليه) [2] [ ص: 90 ]

وقد تميزت طبيعة المرحلة التي أنشئت فيها هـذه الجمعية بعدة أمور، نذكر منها ما يلي:

1 - تضاعف نشاط الإرساليات التبشيرية في الجزائر.

2 - انحسار التعليم العربي الإسلامي.

3 - مرور قرن كامل على الاحتلال الفرنسي للجزائر. ولذلك فقد أخذ القانون الأساس للجمعية تلك المعطيات وغيرها بعين الاعتبار، وركز على الجوانب الآتية:

1 - جعل المقصد الرئيس لهذه الجمعيـة هـو نشـر الأخـلاق الفاضلـة والمعارف العربية والفرنسية، وعدم الخوض في الأمور السياسية، تفاديا للاصطدام بالسلطات، التي تعيش في غمرة التحضير لاحتفالات مرور قرن على الاحتلال.

2 - تأسيس مكتب لتعليـم أبنـاء المسلمين الذين لـم يتمكنـوا من الالتحاق بالمدارس الحكومية، وتثقيف أفكارهم بالعلم باللسانين العربي والفرنسي.

3 - تأسيس ملجأ لإيواء اليتامى، الذين تتربص بهم البعثات التنصيرية لاحتوائهم وإبعادهم عن دينهم.

4 - تأسيس معمل للصنائع، بمثابة ورشات يتدرب فيه الطلبة على مختلف الحرف، حتى إذا ما تخرجوا سهل اندماجهم في الحياة العامة. [ ص: 91 ]

5 - إرسال البعثـات العلميـة إلى بعض جامعـات الـدول الإسلاميـة، لإتمام تحصيلهم العلمي، وإعدادهم لغد مشرق، يكونون فيه -بإذن الله- قادة يسوسون أمتهم وأمور حياتهم، ويجمعون شتاتها، ويعيدون لها أمجادها وقوتها.

كما عزمت الجمعية على فتح قسم خاص لتعليم البنات، وتربيتهن التربيـة الإسلاميـة الصحيحـة، إدراكـا بأن المجتمـع لا يمكـن أن ينهـض إلا بالجنسين، الرجل والمرأة، كمثل الطائر لا يطير إلا بجناحيه.

ويشرح لنا ابن باديس أهمية ذلك فيقول: (إذا أردنا أن نكون رجالا، فعلينا أن نكون أمهات دينيات، ولا سبيل لذلك إلا بتعليم البنات تعليما دينيا، وتربيتهن تربية إسلاميـة.. وإذا تركناهن علـى ما هـن عليه من الجهل بالدين، فمحال أن نرجو منهن أن يكون لنا عظماء الرجال) [3] .

وقد جعلت الجمعية تعليم البنات مجانا، لتتكون منهن -إن شاء الله- المـرأة المسلمـة المتعلمـة. وأمـا البنـون فلا يدفع منهـم نفقـات التعليـم إلا القادرون على ذلك، وهي في الحقيقة نفقات رمزية، سعيا لتيسير الاشتراك على جميع طبقات الأمة.

إن جوانب الإصلاح الإسلامي كثيرة ومتعددة، إلا أن جمعية التربية والتعليم الإسلامية اهتمت بالنشاط التربوي، والتعليم بوجه خاص، ذلك [ ص: 92 ] لأهمية هـذا القطاع وحيويته بالنسبة لمستقبل الأمة، وتماشيا مع ما تتطلبه تلك المرحلة من أولويات.

وما هـي إلا أشهر قليلة إلا والعلماء في الجزائر يستعينون بأداة عصرية أخرى في حركتهم الإصلاحية، حيث أسسوا جمعية لهم تجمع شملهم وتوحد صفوفهم.

فكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، استجابة واعية لما تقتضيه التحديات الخطيرة، التي تواجهها الأمة الجزائرية في تلك المرحلة.

ولإن اقتصرت جمعية التربية والتعليم الإسلامي على جانب التربية والتعليم، فإن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وسعت نشاطها ليشمل جوانب أخرى من حياة الأمة، وفق منهج واضح وأهداف محددة. ذلك ما سنتطرق له بالبحث والدراسة في المبحث القادم، إن شاء الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية