الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الفقرة الثالثة: في العلاقة بين العلوم الإسلامية ومناهجها:

            اعتبارا بما يتطلبه اليوم تعلم هذه العلوم - بتقسيماتها المتعددة وتصنيفاتها المتنوعة - من صياغات علمية ناظمة لأهدافها، وضابطة لمحتوياتها ومضامينها، ومن وسائل وأساليب ناجعة وقادرة على تحقيق الأهداف التي تصبو إليها تلك العلوم، فإن عامة أهل العلم بالتربية والتعليم يفرقون بين مناهج العلوم والعلوم نفسها، تفريقا يقوم على التفريق بين الوسائل والمقاصد، وبين الطرق والغايات، وتعد المناهج في ضوء ذلك التفريق وسـائل لا مقاصـد، كما تعد العلوم مقاصد لا وسائل، اعتبارا إلى المناهج لا اعتبارا إلى الموضوع، الذي تتعامل معه تلك العلوم.

            ويعني هذا أن اعتبارنا العلوم الإسلامية مقاصد إنما يعود إلى النظر إلى علاقة تلك العلـوم بمناهجها لا إلى علاقتها بالموضوع، الذي تدور حوله، ذلك لأن العلوم الإسلامية تعد في حقيقتها وسائل بالنسبة لعلاقتها مع النقل أو نصوص الكتاب والسنة النبوية الشريفة؛ لأنها توصل الدارس والمتعمق فيها إلى مراد الشرع الكريم من تلك النصوص، وتعد - أيضا - في الوقت نفسه مقاصد بالنسبة للمناهج، ذلك لأن المناهج - كما أسلفنا - تعتبر صياغات اجتهادية ناظمة وضابطة للقيم والمعارف والمفاهيم، التي تنتظمها العلوم النقلية/الإسلامية أو العقلية/الإنسانية.

            وتأسيسا على هذا، فإن ثمة حاجة علمية وضرورة منهجية إلى التفريق بين العلوم ومناهجها، فالعلوم تعد مقاصد في المسألة التعليمية، وأما المناهج، فإنها تعتبر وسائل توظف من أجل تحقيق المقاصد من العملية التعليمية وإيصالها إلى المتعلمين، مما يعني أن الدعوة إلى إصلاح مناهج العلوم وخاصة مناهج العلوم [ ص: 60 ] الإسلامية لا ينبغي اعتبارها دعوة إلى إصلاح العلوم الإسلامية برمتها، فالعلوم الإسلامية بوصفها مجموع الحقائق والمعارف والمفاهيم المستفادة من نصوص الكتاب الحكيم والسنة النبوية الطاهرة تنتظم معارف ومفاهيم ثابتة لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال، وذلك بحسبانها معارف ومفاهيم مستفادة من نصوص قطعية في الثبوت والدلالة، كما تنتظم معارف ومفاهيم لا تسمو على الإصلاح والمراجعة والتحقيق، وذلك باعتبارها معارف ومفاهيم مستفادة من نصوص ظنية في الثبوت والدلالة.

            وعلى العموم، فإننا نخلص إلى تقرير القول: إن مناهج العلوم الإسلامية كافة لا تسمو على المراجعة والإصلاح بحسبانها وسائل اجتهادية تطورت وتنامت عبر الزمن والمكان والظرف والحال، ولم تخل بأي حال من الأحوال من التأثر بالواقع الفكري والعلمي والسياسي والاقتصادي، الذي يشهد يوما بعد يوم تغيرا وتقلبا وتحولا وتبدلا، كما أنها تعد اجتهادات تربوية لا تختلف بأي حـال من الأحـوال عن سـائر الاجتهادات البشرية الخاضـعة لظروف الزمان والمكان، وأما العلـوم الإسـلامية، فإننا نقرر بأن منها منـاطات ومحطات لا تسمو هي الأخرى على المراجعة الدائبة والتجديد المستمر في كل عصر ومصر انطلاقا من تشكلها من نصوص ظنية في الثبوت والدلالة!

            وأملنا ورجاؤنا في العلي القدير أن يمن علينا - بفضله وكرمه - بفسحة مباركة في العمر وفي الصحة لنعود مرة أخرى إلى هذا الموضوع، فنوسع تلك المحطات والمناطات، التي تحتاج إلى مراجعة دائبة حصيفة من العلوم الموسومة بالعلوم الإسلامية جانب التأصيل والتحقيق والتحرير! [ ص: 61 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية