الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      التنبيه الثاني

                                                      احتج ابن دقيق العيد في " شرح الإلمام " للجمع بين الحقيقة والمجاز بقوله صلى الله عليه وسلم { صبوا عليه ذنوبا من ماء } . من جهة أن صيغة الأمر توجهت إلى صب الذنوب ، والقدر الذي يغمر النجاسة واجب في إزالتها ، فتناول الصيغة لها استعمال للفظ في الحقيقة ، وهو الوجوب ، والزائد على ذلك مستحب ، فتناول الصيغة له استعمال في الندب ، وهو مجاز فيه ، فقد استعملت صيغة الأمر في حقيقتها ومجازها .

                                                      وذكر الإبياري من فوائد الخلاف أنه هل يصح أن يعلق الأمر بشيئين : أحدهما على جهة الوجوب ، والآخر على جهة الندب ؟ كقوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فإن { أتموا } يقتضي وجوب إتمام الحج ، واستحباب إتمام العمرة إن قلنا بعدم وجوبها .

                                                      التنبيه الثالث

                                                      احتجوا على الحقيقتين بقوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون } فإن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ، واستشكل ذلك بأن الفعل متعدد لتعدد الضمائر ، فكأنه كرر لفظ يصلي ، فلا تكون الآية من موضع النزاع .

                                                      وأجيب بأن التعدد بحسب المعنى لا بحسب اللفظ لعدم الاحتياج إليه .

                                                      والظاهر أن الآية ليست من باب استعمال اللفظ في معنييه ، لأن سياقها [ ص: 407 ] إنما هو لإيجاب اقتداء المؤمنين بالله تعالى وملائكته في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد ، من اتحاد معنى الصلاة في الجميع ، لأنه لو قيل : إن الله يرحم النبي والملائكة يستغفرون له ، يا أيها الذين آمنو ادعوا له لكان ركيكا ، فلا بد من اتحاد معنى الصلاة إما حقيقة أو مجازا . أما حقيقة ، فالدعاء إيصال الخير إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ و ] من لوازمه الرحمة ، ليس لأن الصلاة مشتركة بينهما ، وأما مجازا فكإرادة الخير ونحوها مما يليق بالمقام ، ثم إن اختلف ذلك المعنيان لأجل اختلاف الموصوف يضر ، وليس من الاشتراك بحسب الموضع ، وكذلك الاحتجاج بآية السجود ليس من هذا الباب لإمكان أن يكون المراد بالسجود الانقياد في الجميع ، أو وضع الجبهة ، ولا يستحيل في الحادث ، لأن القدرة حاصلة لهذا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية