الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة

                                                      مفرعة على امتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز .

                                                      الخطاب الذي له حقيقة ومجاز ، وموجب المجاز ثابت في بعض الصور ، هل يقتضي إسناده إلى ذلك المجاز ، حتى يكون مرادا من ذلك الخطاب ، ويستلزم أن لا يحتمل ذلك الخطاب على الحقيقة ، وأن لا يلزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه وهو باطل ، لأنا نفرع على هذه المسألة ، أم لا يقتضي ذلك ؟ [ ص: 409 ] فاختار القاضي عبد الجبار والرازي في " المحصول " أن موجب المجاز يدل على أنه مراد بالخطاب ، واختار البصري من المعتزلة أنه يدل ، ونسب إلى الكرخي ، مثال : لفظ الملامسة حقيقة في الجس باليد ، وهو مجاز في الوقاع ، فقد ثبت موجب المجاز في قوله تعالى : { أو لامستم النساء } لانعقاد الإجماع على وجوب التيمم عند فقد الماء ، وثبوت معنى هاهنا لا يدل على أنه مراد بالخطاب ، فيلزم أن لا تكون الحقيقة مرادة بالخطاب على ما بينا ، فصار النزاع في أن ثبوت موجب المجاز في صورة من الصور يمنع إجراء الخطاب على حقيقته على رأي ، ولا يمنع على الآخر .

                                                      وأوضحهما القاضي عبد الجبار في " العمدة " فقال : اعلم أنه يجب أن يعتبر الحكم الثابت بالدليل ، فإن كان لفظ النص يتناوله على الحقيقة قطعنا بأنه مراد به إن لم يمنع منه دليل ، وإن كان لفظ النص يتناوله على جهة المجاز لم يجب أن نقطع بذلك إلا بدليل ، فإن دل عليه دليل قضي به ، وإلا حكم بثبوته بالدليل الذي أوجب ذلك . مثاله : أنه إذا ثبت أن الصلاة تجب إقامتها ، وكان قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة } يتناولها على الحقيقة قطع بأنها مرادة ، وإذا ثبت أنه يجب على المصلي أن يصلي على محمد وآله في التشهد كان قولنا : ( صلاة ) يتناولها على جهة المجاز لم يجب أن يكون ذلك مرادا بقوله : { وأقيموا الصلاة } وإلا أن يدل الدليل سوى ذلك ، ثابت وجوبه يدل على أنه قد أريد ذلك ، ولهذا لم يصح عندنا إبطال ما يقوله الشافعي : إن اللمس هو باليد بأن يقال : قد ثبت أن الجماع يتعلق به الحكم المذكور وهو النقض ، فيجب أن يكون مرادا بها وإذا صار مرادا بها بطل ، أو يراد بها اللمس باليد من وجهين :

                                                      أحدهما : أن كون الجماع مرادا لا يمنع كون اللمس مرادا . [ ص: 410 ]

                                                      والثاني : أن ثبوت هذا الحكم للجماع لا يوجب أن يكون مرادا بالأمر ، وكذلك القول في قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } أن ثبوت الوطء مراد به لا يمنع ثبوت العقد مرادا به .

                                                      تنبيه

                                                      [ حمل المتواطئ على معانيه ]

                                                      وأما المتواطئ فهل يحمل على معانيه ؟

                                                      قال الأصفهاني في قواعده " لا عموم فيه إجماعا ، وصرح في المحصول " في باب المجمل " بأنه مجمل ، وألحقه بالمشترك على رأيه ، ومثله . بقوله تعالى { وآتوا حقه يوم حصاده } .

                                                      وأما المشكك فقال ابن الصائغ النحوي في " شرح الجمل " : من جوز ذلك في المشترك ربما يجوزه في المشكك ، وفيما قاله نظر ، لأن أفراده متفاوتة ، فينبغي الحمل على الأقوى رعاية لتلك الأولوية بخلاف المشترك فإنها متساوية ، وهاتان المسألتان قل من تعرض لهما .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية