الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 338 ] مسألة [ بقاء معنى المشتق هل هو شرط ]

                                                      في أن دوام ما منه الاشتقاق أعني بقاء معنى المشتق منه هل شرط في إطلاق اسم المشتق بطريق الحقيقة أم لا ؟ فمن لم يشترط وجوده لم يشترط دوامه قطعا ، وأما الذين يشترطون وجوده فاختلفوا فيه .

                                                      فنقول : إطلاق الاسم المشتق كاسم الفاعل والمفعول باعتبار الحال حقيقة بلا خلاف كتسمية الخمر خمرا ، وباعتبار المستقبل مجاز بلا خلاف كتسمية العنب والعصير خمرا ، وأما إطلاقه باعتبار الماضي كإطلاق الضارب على من صدر منه الضرب . انتهى .

                                                      وهذا هو محل الخلاف ، فقال الجمهور منهم الرازي والبيضاوي : إنه مجاز .

                                                      وقال ابن سينا والفلاسفة ، وأبو هاشم من المعتزلة : إنه حقيقة ، ونقل الآمدي وابن الحاجب مذهبا ثالثا أن معنى المشتق منه إن كان مما يمكن بقاؤه كالقيام والقعود اشترط بقاؤه في كون المشتق حقيقة وإلا فلا ، كما في المصادر السيالة مثل الكلام وأنواعه ، ونسبه الصفي الهندي في النهاية إلى الأكثرين ويحتاج إلى تثبت ، فإن الرازي ذكره في أثناء المسألة على سبيل البحث ، وقال : إنه لم يقل به أحد ، فإن كان مستند نقلهم هذا فقد علمت ، لكن الإمام في جواب المعارضة صرح باختياره ومنع الإجماع فقال : قلنا : المعتبر عندنا حصول بتمامه إن أمكن ، أو حصوله آخر جزء من [ ص: 339 ] أجزائه ، ودعوى الإجماع على فساد هذا التفصيل ممنوعة ، هذا لفظه في المسودة الأصولية وقيل : إن ما يعدم عقب وجود مسماه كالبيع والنكاح والاغتسال والتوضؤ فإن الاسم يقع عليه بعد حقيقة ، وما يدوم بعد وجود المسمى كالقيام والقعود ، فإذا عدم المسمى جميعه كان مجازا .

                                                      ونقل الأصفهاني عن بعضهم تفصيلا آخر ، وقال : إنه الحق ، وهو أنه إذا وجد معنى في المحل ، واشتق له منه اسما فبعد ذلك إن لم يطرأ على المحل ما يناقضه ويضاده بقي صدق المشتق كالقاتل والزاني والسارق ، فأما إذا طرأ على المحل ما يضاده ، واشتق له منه اسم المشتق الأول ، فحينئذ لا يصدق المشتق الأول كاللون إذا قام به البياض يسمى أبيض ، فإذا اسود لا يقال في حالة السواد : إنه أبيض ، والدليل على ذلك : أن الله تعالى أمر بجلد الزاني وقطع السارق ، ولو كان بقاء وجه الاشتقاق شرطا لما أمكننا امتثال الأمر ، لأن حالة الجلد والقطع ليس بزان ولا سارق حقيقة ، فلا يقع الامتثال بالأمر .

                                                      ويخرج من كلام القاضي أبي الطيب الطبري في مسألة خيار المجلس قول خامس بالتفصيل بين إطلاقه عقب المعنى المشتق منه فيسوغ ، وبين أن يتطاول الزمان فلا ، ومن كلام أبي الخطاب من الحنابلة سادس ، وهو التفصيل بين ما يطول زمنه كالأكل والشرب ، وبين ما يقصر كالبيع والشراء ، وهو قريب من الخامس ، وكلام ابن الحاجب يقتضي التوقف في المسألة فإنه ذكر شبه الفرق ، وأجاب عن الجميع ، فتحصلنا على سبع مذاهب ، يشترط بقاؤه حقيقة ومجازا ، التفصيل بين الممكن وغيره . التفصيل بين طرو ما يناقض التفصيل بين الإطلاق عقبه أو بعده . التفصيل [ ص: 340 ] بين طول الزمان وقصره ، الوقف والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها أن المخالف في الأول يقول بصدق المشتق كالعالم والقادر ، وإن لم يكن ما منه الاشتقاق قائما بالمشتق منه ولا في وقت ما ، وأما المخالف في هذه فإنه يقول : إن قام ما منه الاشتقاق بالشيء فهو صادق حقيقة حينئذ ، وإذا انقضى ولم يقم به فهو يصدق عليه مجازا لا حقيقة ، وعلى المذهب الآخر عكسه .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية