الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الحوادث أن الله عز وجل أنزل على الخليل عشر صحائف

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن علي بن المهتدي ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن علي الغساني ، حدثنا أبي ، عن جدي ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر [قال]: قلت: يا رسول الله كم كتاب أنزله الله؟ قال: [ ص: 273 ] مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل على آدم عشر صحائف ، وعلى شيث خمسين صحيفة ، وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة ، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان .

قال: قلت: يا رسول الله ، فما كان في صحف إبراهيم؟

قال: كانت أمثالا كلها: أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم؛ فإني لا أردها وإن كانت من كافر . وكان فيها أمثال: [وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا] على عقله أن يكون له ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر ، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب . وعلى العاقل [أن لا يكون طاغيا إلا في ثلاث: تزود لمعاد ، ومرمة لمعاش ، ولذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن] يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه . ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه ، [وسلام على من أكرم الضيف ، ومن أهانه فهو في الدرك الأسفل من النار . قال أبو ذر: فلهذا كان إبراهيم لا يأكل إلا مع الضيف] .


من الحوادث اتخاذ الله عز وجل إبراهيم خليلا

اختلف العلماء في سبب ذلك على ثلاثة أقوال:

أحدها: لإطعامه الطعام فكان لا يأكل إلا مع ضيف لسعة كرمه . وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال: لإطعامه الطعام يا محمد" .

والثاني: أن الناس أصابتهم سنة فأقبلوا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام وكانت له [ ص: 274 ] ميرة من صديق له بمصر من كل سنة ، فبعث غلمانه بالإبل إلى صديقه فلم يعطهم شيئا ، فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد [جئنا بشيء] فملئوا الغرائر رملا ثم أتوا إبراهيم فأعلموه ، فاغتم إبراهيم لأجل الخلق فنام ، وجاءت سارة وهي لا تعلم ما كان ، ففتحت الغرائر فإذا دقيق حواري ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس ، فاستيقظإبراهيم ، فقال: من أين هذا الطعام ، فقالت: من عند خليلك المصري ، قال: بل من عند خليلي الله . فيومئذ اتخذه الله خليلا . رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

والثالث: أنه اتخذه خليلا لكسره الأصنام وجداله قومه . قاله مقاتل .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز ، أخبرنا محمد الجوهري ، أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا محمد بن سعد ، أخبرنا هشام بن محمد ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال: لما اتخذ الله [إبراهيم] خليلا ونبيا كان له يومئذ ثلاثمائة عبد أعتقهم ، وأسلموا وكانوا يقاتلون معه بالعصي .

أخبرنا أبو منصور بن خيرون ، عن أبي محمد الجوهري ، عن الدارقطني ، حدثنا عمر بن الحسن بن علي ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد ، قال: حدثني محمد بن يحيى ، حدثنا يمان بن سعيد ، حدثنا خالد بن يزيد المقرئ ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس ، قال: أول من عمل القسي العربية إبراهيم -عليه السلام- عمل لإسماعيل قوسا ولإسحاق قوسا ، وكانوا يرمون بها ، وعلمهما الرمي . وأول من اتخذ القسي الفارسية نمرود .

[ ص: 275 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية