الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 8 ] ذكر سبب قتل يحيى بن زكريا

روى الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: بعث عيسى بن مريم يحيى بن زكريا في اثني عشر من الحواريين يعلمون الناس ، وكان فيما نهوهم عنه نكاح ابنة الأخ ، وكان لملكهم ابنة أخ تعجبه يريد أن يتزوجها ، وكان لها كل يوم حاجة يقضيها ، فبلغ ذلك أمها ، فقالت لها: إذا دخلت على الملك فسألك ما حاجتك ، فقولي: حاجتي أن تذبح لي يحيى ، فقالت له: فقال: سلي غير هذا ، قالت: ما أسأل غيره .

فدعا يحيى ودعا بطست فذبحه ، فندرت قطرة من دمه على الأرض ، فلم تزل تغلي حتى بعث الله بخت نصر [ عليهم ] فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلته على ذلك الدم ، فألقى الله عز وجل في قلبه أن يقتل عليه حتى يسكن ، فقتل سبعين ألفا [ منهم ] فسكن .

وروى الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي ، عن مشيم مولى معاوية : أن ملكا في بني إسرائيل كانت له امرأة ، وكان لها بنية يحبها أبوها ، وكان لها عليه كل يوم حاجة ، فقالت لها أمها: إذا سألك ما حاجتك فقولي: رأس يحيى بن زكريا ، فلما جاءته وسقته ووقفت بين يديه ، قال لها: ما حاجتك ؟ قالت: رأس يحيى بن زكريا ، فزجرها وأغضبه ذلك ، فولت عنه ، فقال له من حوله من المنافقين: وما يحيى وما رأس يحيى ؟ فقال: ادفعوا إليها رأس يحيى .

فأتوه وإنه لقائم يصلي في ناحية كنيسة جيرون بدمشق ، فاجتزوا رأسه فجعلوه في طبق ، وأمر بدفعه إلى جارية ابنته ، فولت به ذاهبة إلى أمها ، فلما كانت عند المطهرة [ ص: 9 ] التي على درج دمشق خسف بها ، فقيل لأمها: أدركي ابنتك ، فخرجت حاسرة عن وجهها حتى وقفت عليها وقد ذهبت الأرض بجثتها ، فلم يبق منها إلا رأسها ، فقالت: اجتزوا الرأس نغسله ونكفنه ونبكي عليه ، ففعلوا ، فلما صار بأيديهم نفضت الأرض الجثة فألقتها إليهم .

قال الربيع بن أنس : كانت للملك ابنة شابة ، فكانت تأتي أباها فتغني عنده ، حتى إذا أرادت الرجوع ، قال لها: سلي حاجتك ؟ وأن أمها رأت يحيى قد أعطي حسنا وجمالا ، فأرادته على نفسه ، فأبى عليها ، فقالت له: إني قاتلتك أو تأتي حاجتي ، فقال: معاذ الله . فقالت لابنتها: إذا أتيت أباك الليلة فقال: سلي حاجتك ، فقولي: أسألك رأس يحيى .

فلما جاءت وقال: سلي حاجتك ، قالت: رأس يحيى ، فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو خير لك من هذا . فرجعت إلى أمها فحدثتها ، فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى . فلما جاءت في الليلة الثانية فغنته ، قال: سلي حاجتك ، قالت: رأس يحيى .

فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو أنفع لك من هذا ، فرجعت إليها ، فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى . فلما جاءت في الليلة الثالثة فغنته ، قال: سلي حاجتك ، قالت: رأس يحيى ، فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو أنفع لك من هذا . فرجعت إليها ، فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى .

فقال: لك ما سألت ، فرجعت إلى أمها فرحة فأخبرتها . فأرسلت إلى يحيى ، [ ص: 10 ] فقالت: إني [ قد ] أعطيت رأسك إن لم تأت حاجتي ، فأبى عليها ، فقالت [ له ] إني ذابحتك . فذبحته ثم ندمت ، وجعلت تنادي: ويل لها ، ويل لها . حتى ماتت ، فهي أول امرأة تدخل النار ، وأن الدم صار يغلي ولا يسكن ، وإن بخت نصر جاز عليه فسأل عنه ، فقالوا: هذا دم يحيى بن زكريا قتلته امرأة خيارهم .

وكان عبد الله بن الزبير يقول: من أنكر الباقلاني لا أنكره ، لقد ذكر لي أنه إنما قتل يحيى بن زكريا في زانية كانت جارة له .

وروى يزيد بن هارون ، عن سليمان التيمي ، عن أسلم العجلي ، عن أبي هريرة ، وابن عمر رضي الله عنهما: أن امرأة يقال لها: " ربة " قتلت يحيى بن زكريا ، فأتيت برأسه في طست ، فأمرت الأرض فأخذتها .

وقال عبد الله بن عمر : وقتلت تلك المرأة في يوم سبعين نبيا ، وهي مكتوبة في التوراة: مقتلة الأنبياء ، وأنها على منبر في النار [ يسمع صراخها أقصى أهل النار ] .

أنبأنا محمد بن ناصر ، قال: أنبأنا جعفر بن أحمد السراج ، قال: أخبرنا أبو القاسم: عبد الله بن عمر بن شاهين ، قال: حدثنا أبي ، قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن عقبة الأنصاري ، قال: حدثنا أبو تمام ، قال: حدثنا عبد الله بن وهب ، قال: أخبرني ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن عروة بن الزبير ، قال: اسم المرأة التي قتلت يحيى بن زكريا " أزبيل " ، وأنها قتلت سبعين نبيا آخرهم يحيى بن زكريا .

[ ص: 11 ] وروت فاطمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن يحيى بن زكريا عليهما السلام مكث في بني إسرائيل أربعين سنة " . قال قتادة : قتل بدمشق .

التالي السابق


الخدمات العلمية