الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8855 ) فصل : وإذا وطئ الرجل جارية ولده ، فإن كان قد قبضها وتملكها ، ولم يكن الولد وطئها ، ولا تعلقت بها حاجته ، فقد ملكها الأب بذلك ، وصارت جاريته ، والحكم فيها كالحكم في جاريته التي ملكها بالشراء . وإن وطئها قبل تملكها ، فقد فعل محرما ; لأن الله تعالى قال : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } . وهذه ليست زوجا له ، ولا ملك يمينه . فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أنت ومالك لأبيك } . فأضاف مال الابن إلى أبيه ، فاللام الملك والاستحقاق ، فدل على أنه ملكه . قلنا : لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الملك ، بدليل أنه أضاف إليه الولد ، وليس بمملوك ، وأضاف إليه ماله في حالة إضافته إلى الولد ، ولا يكون الشيء مملوكا لمالكين حقيقة في حال [ ص: 417 ] واحدة ، وقد يثبت الملك لولده حقيقة ، بدليل حل وطء إمائه والتصرف في ماله ، وصحة بيعه وهبته وعتقه ، ولأن الولد لو مات لم يرث منه أبوه إلا ما قدر له ، ولو كان ماله ، لاختص به ، ولو مات الأب ، لم يرث ورثته مال ابنه ، ولا يجب على الأب حج ولا زكاة ولا جهاد بيسار ابنه ، فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد التجوز ، بتشبيهه بماله في بعض الأحكام .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإنه لا حد على الأب ; للشبهة ; لأنه إذا لم يثبت حقيقة الملك ; فلا أقل من أن يكون شبهة تدرأ الحد ، فإن الحدود تدرأ بالشبهات ، ولكن يعزر ; لأنه وطئ جارية لا يملكها ، وطئا محرما ، فكان عليه التعزير ، كوطء الجارية المشتركة . وفيه وجه آخر ، لا يعزر عليه ; لأن مال ولده كماله . ولا يصح لأن ماله مباح له ، غير ملوم عليه ، وهذا الوطء هو عاد فيه ، ملوم عليه . وإن علقت منه ، فالولد حر ; لأنه من وطء درئ فيه الحد لشبهة الملك ، فكان حرا ، كولد الجارية المشتركة ، ولا تلزمه قيمته ; لأن الجارية تصير ملكا له بالوطء ، فيحصل علوقها بالولد وهي ملك له ، وتصير أم ولد له ، تعتق بموته ، وتنتقل إلى ملكه ، فيحل له وطؤها بعد ذلك . وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ، في أحد قوليه ، وقال في الآخر : لا تصير أم ولد له ، ولا يملكها ; لأنه استولدها في غير ملكه ، فأشبه الأجنبي ، ولأن ثبوت أحكام الاستيلاد ، إنما كان بالإجماع فيما إذا استولد مملوكته ، وهذه ليست مملوكة له ، ولا في معنى مملوكته ، فإنها محرمة عليه ، فوجب أن لا يثبت لها هذا الحكم ، ولأن الأصل الرق ، فيبقى على الأصل ، ولأن الوطء المحرم لا ينبغي أن يكون سببا للملك ، الذي هو نعمة وكرامة ، لأنه يفضي إلى تعاطي المحرمات .

                                                                                                                                            ولنا أنها علقت منه بحر ، لأجل الملك ، فصارت أم ولد له ، كالجارية المشتركة ، وفارق وطء الأجنبي في هذا . إذا ثبت هذا ، فإنه لا يلزمه مهرها ، ولا قيمتها . وقال أبو حنيفة : لا يلزمه مهرها ، ويلزمه قيمتها ; لأنه أخرجها عن ملك سيدها بفعل محرم ، فأشبه ما لو قتلها ، وإنما لم يلزمه مهرها ; لأنه إذا ضمنها ، فقد دخلت قيمة البضع في ضمانها ، فلم يضمنه ثانيا ، كما لو قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها ، فإنه يضمن قيمة النفس دون قيمة اليد . وقال الشافعي : يلزمه مهرها ; لأنه وطئ جارية غيره وطئا محرما ، فلزمه مهرها ، كالأجنبي ، وتلزمه قيمتهما ، على القول بكونها أم ولد ، كما يلزم أحد الشريكين ، قيمة نصيب شريكه ، إذا استولد الجارية المشتركة .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أنت ومالك لأبيك } . ولأنه لا تلزمه قيمة ولدها ، فلم يلزمه مهرها ، ولا قيمتها كمملوكته ، ولأنه وطء صارت به الموطوءة أم ولد ، لأمر لا يختص ببعضها ، فأشبه استيلاد مملوكته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية