الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا بشر ) بكسر فسكون ( ابن هلال الصواف البصري حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء ) أي استنار ( منها ) أي : من المدينة ( كل شيء ) فمن بيانية مقدمة أي : تنور جميع أجزاء المدينة نورا حسيا أو معنويا لما في دخوله من أنواع أنوار الهداية العامة ورفع أصناف أطوار الظلمة الطامة مع الإشارة بطريق المبالغة إلى أن كل شيء في العالم كأنه اقتبس النور من المدينة في ذلك اليوم أو الإضاءة كناية عن الفرح التام لسكان المدينة مع عدم الالتفات إلى أهل العداوة ، وقال الطيبي : الضمير راجع إلى المدينة ، وفيه معنى التجريد كقولك لتلقين منه الأسد ، وهذا يدل على أن الإضاءة كانت محسوسة كذا نقله ميرك وتبعه ابن حجر وأغرب شارح بقوله : وهذا يدل على أن الإضاءة كانت محسوسة ( فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ) والأظهر أن كلا من الإضاءة والإظلام معنويان خلافا لابن حجر حيث قال : الظاهر أنهما محسوسان لما فيه من المعجزة انتهى ، ولا يخفى أن المعجزة لا تثبت بمثال هذه الدلالة ولم يرو أحد من الصحابة ما يدل على أن الإراءة الحسية فلا يتعين حملها على الإراءة المعنوية لا سيما في ألسنة الفصحاء عند موت العظماء أنه أظلمت الدنيا وعند الهناء أضاء العالم ، والله أعلم ( وما نقضنا أيدينا عن التراب ) ما نافية ونفض الشيء تحريكه لانتفاضه والظاهر أن الواو للاستئناف أو للعطف على صدر الكلام السابق خلافا لابن حجر حيث جعل الواو للحال فتأمل في كل من المقال ، والمعنى وما نفضنا أيدينا عن تراب القبر ( وإنا ) بالكسر أي : والحال إنا ( لفي دفنه ) أي : لفي معالجة دفنه ( - صلى الله عليه وسلم - حتى أنكرنا ) أي : نحن ( قلوبنا ) بالنصب أي : تغيرت حالها بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تبق على ما كانت من الرقة والصفا لانقطاع الوحي وبركة الصحبة ذكره ميرك ، وقال المظهر هو كناية عن تغيير حالهم وعدم بقاء صفاء خاطرهم ، وقال الطيبي حتى قيد لنفي النفض يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء والرقة لانقطاع مادة الوحي وفقدان ما كان يمدهم من قبل الرسول [ ص: 263 ] - صلى الله عليه وسلم - من التأييد والتعليم ولم يرد أنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق انتهى ، وقيل يحتمل أن يراد إنكار القلوب باعتبار أنها لا تمتنع من الإقدام على نفض التراب عليه - صلى الله عليه وسلم - ويؤيد هذا الاحتمال ما روي في شرح السنة عن أنس قال قالت فاطمة - رضي الله عنها - : يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد بعضهم وأخذت من تراب القبر الشريف فوضعته على عينها وأنشدت (

ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا )

(     صبت علي مصائب لو أنها
- صبت على الأيام صرن لياليا

)

قال ابن حجر : وهذا قول بعيد وفاطمة إنما قالت ذلك بعد غلبة الحزن عليها بحيث أذهلها كغيرها ، قلت : وهذا هو الصدمة الأولى فهي لغلبة الحزن أولى ، وأما قوله عند قوله وإنا الواو هنا للحال أيضا فهي مع التي قبلها من المتداخلة بين بهما أن ذلك الإظلام وقع عقيب موته - صلى الله عليه وسلم - من غير مهملة وحتى غاية للإظلام يعني أظلم منها كل شيء حتى قلوبنا فمناقض لما اختاره من الإظلام الحسي دون المعنوي ومعارض لما يفيده الحال الأولى من التقييد للإظلام بحال عدم النفض إذ هو ينافي حصوله عقيب موته عليه السلام والله أعلم بحقيقة المرام .

التالي السابق


الخدمات العلمية