الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن زرارة ) بضم الزاي أوله ( ابن أوفى ) له صحبة مات في زمن عثمان بن عفان ( عن سعد بن هشام ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يصل بالليل منعه ) ، الجملة استئناف تعليل ( من ذلك ) أي : الفعل وهو الصلاة بالليل ( النوم ) فاعل منعه ( أو غلبته ) أي : النبي عليه السلام ( عيناه ) أي : كثرة نعاسه فيهما فأو للتنويع وقيل أنه شك من الراوي ، ويحتمل أن يكون المراد من غلبة العينين أنه كان يغلب النوم بحيث لا [ ص: 88 ] يستطيع أن لا ينام ، ومن منع النوم قوة الرغبة فيه لا أنه يصير مغلوبا ، ويحتمل أن يكون بالعكس ، فيكون المراد من منع النوم أنه يمنعه عن الصلاة بالكلية بحيث لا يقدر أن يصلي معه ، ومن غلبة العين أنه لو صلى مثلا يمكن أنه لا يتأتى الخشوع الذي هو دأبه وهجيراه ، فلا يكون على الوجهين من شك الراوي انتهى .

والمعنى أنه حينئذ يكون للتقسيم ، ويمكن أن يكون وجه آخر بأن يحمل أحدهما على عدم التنبه ، والآخر على أنه ينتبه ولم يتنشط للقيام ، أو يقوم ويصلي بعض صلاة ، ولم يحصل تمام القيام ( صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ) أي : تداركا لما فاته من التهجد كله أو بعضه لقوله تعالى : وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأ ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر ؛ كان كمن قرأ من الليل " . وفيه دليل على جواز قضاء النافلة بل على استحبابه لئلا تعتاد النفس بالترك ، وعلى أن صلاة الليل ثنتا عشرة ركعة كما هو المختار عند أبي حنيفة ، ورواه مسلم ، وغيره عنها بلفظ : كان - صلى الله عليه وسلم - إذا نام من الليل من وجع أو غيره ، فلم يقم من الليل صلى ثنتي عشرة ركعة ، وهذا فيه تنبيه على أنه كان يقدم وتره في أول الليل أو سكتت عن ذكر الوتر ; لأن تداركه معلوم بالأولى لكونه واجبا عندنا ، وآكد من التهجد عند غيرنا على أن مقتضى الترتيب الواجب عندنا أن الوتر يقضى قبل أداء فرض الفجر والله أعلم . وورد عنها أيضا : إحدى عشرة ركعة ، ولعله مبني على النسيان أو ضيق الوقت لأداء قضاء الوتر ، وبهذا يرد قول من قال لم يرد في شيء من الأخبار أنه - صلى الله عليه وسلم - قضى الوتر ولو سلم فقضاء التهجد مؤذن بأن قضاء الوتر بالأولى على أنه ما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - فاته الوتر فإن الأحاديث دلت على أنه كان يصليه أول الليل أو أوسطه أو آخره ، ويمكن تأويل رواية عائشة إحدى عشرة ركعة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان من عادته في الليل أن يصلي إحدى عشرة ركعة مع الوتر ، فإذا نام عن التهجد دون الوتر كمل في النهار هذا العدد الفائت ، وبه يجمع بين رواية : ثنتي عشرة ركعة ، وبين رواية : إحدى عشرة ركعة . والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية