الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يقسم ) بفتح التحتية ، وفي نسخة بالفوقية مرفوعا ، وفي نسخة مجزوما [ ص: 287 ] ، وفي أخرى لا يقتسم من الافتعال بالوجوه الأربعة ومآل الكل إلى واحد والنفي بمعنى النهي أبلغ من النهي الصريح ( ورثتي ) أي : من هم الورثة باعتبار أنهم كذلك بالقوة لكن منعهم من الميراث الدليل الشرعي ، وهو قوله : لا نورث ما تركناه صدقة ( دينارا ، ولا درهما ) والتقييد بهما بناء على الأغلب من المخلفات الكثيرة أو لأن مرجع الكل في القسمة إليهما أو المعنى ما يساوي قيمة أحدهما ، وهذا أولى مما قاله ابن حجر من أن التقييد بهما للتنبيه على أن ما فوقهما بذلك أولى فإنه يبقى مفهوم ما دونهما ، وهو من القائلين بالمفهوم ( ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ) والمئونة الثقل فعولة من مأنت القوم أي احتملت مئونتهم ، وفي الصحاح المئونة تهمز ، ولا تهمز ، وقال الفراء مفعلة من الأين ، وهو التعب والشدة ، وقيل هي مفعلة من الأون ، وهي الخرج والعدل ؛ لأنها تثقل على الإنسان كذا في شرح المشارق ، ثم اعلم أن رواية مسلم لا يقتسم ورثتي فقال الطيبي خبر وليس بنهي ومعناه ليس يقتسم ورثتي بعد موتي دينارا أي : لست أخلف بعدي دينارا أملكه فيقتسمون ذلك ، ويجوز أن يكون بمعنى النهي فهو على منوال قوله :

على لاحب لا يهتدي بمناره

أي لا دينار هناك يقتسم ، وقال الكرماني ليس المراد من هذا اللفظ النهي ؛ لأن النهي إنما ينهى عما يمكن وقوعه وإرثه - صلى الله عليه وسلم - غير ممكن ، وإنما هو بمعنى الإخبار ومعناه لا يقتسمون شيئا ؛ لأنه لا وارث لي وليس معنى نفقة نسائي إرثهن منه بل لكونهن محبوسات عن الأزواج بسببه فهن في حكم المعتدات ما دام حياتهن أو لعظم حقوقهن وقدم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين ولذلك اختصصن بمساكنهن ولم يرثها ورثتهن ، وقال العسقلاني : لا يقتسم بإسكان الميم على النهي وبضمها على النفي ، وهو الأشهر وبه يستقيم المعنى حتى لا يعارض ما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يترك مالا يورث عنه وتوجيه رواية النهي أنه لم يقطع بأنه لا يخلف شيئا بل كان ذلك محتملا فنهاهم عن قسمة ما يخلف إن اتفق انتهى ، وقيل لا عدة على أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - حي في قبره وكذا سائر الأنبياء - عليهم السلام - ، وفي شرح السنة قال سفيان بن عيينة : كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في معنى المعتدات إذ كن لا يجوز أن ينكحن أبدا فجرت لهن النفقة وأراد بالعامل الخليفة بعده وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ نفقة أهله من الصفايا التي كانت له من أموال بني النضير وفدك ويصرف الباقي في مصالح المسلمين ، ثم وليها أبو بكر ، ثم عمر كذلك فلما صارت إلى عثمان استغنى عنها بماله فأقطعها مروان وغيره من أقاربه فلم تزل في أيديهم حتى ردها عمر بن عبد العزيز ، ونقل ميرك عن العسقلاني أنه اختلف في المراد بقوله عاملي فقيل الخلافة بعده ، وهذا هو المعتمد ، وقيل يريد بذلك العامل على النخل والقيم على الأرض وبه جزم الطبري وابن بطال ، وأبعد من قال المراد بعامله حافر قبره عليه السلام ، وقال ابن دحية في الخصائص : المراد بعامله خادمه العامل على الصدقة ، وقيل العامل فيها كالأجير واستدل به على أجرة القسام انتهى ، وقيل كل عامل للمسلمين إذ هو عامل [ ص: 288 ] له ونائب في أمته ذكره ابن حجر ، وهو بعيد جدا بل ولا يتصور فتدبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية