الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما تكلم على الضمان وأركانه وشروطه ذكر ما يرجع به الضامن إذا غرم فقال ( ورجع ) الضامن على أصله ( بما أدى ) عنه أي بمثله إن كان مثليا بل ( ولو مقوما ) ; لأنه كالمسلف يرجع بالمثل حتى في المقومات ( إن ثبت الدفع ) من الضامن ببينة [ ص: 336 ] أو بإقرار رب الحق لسقوط الدين بذلك ( وجاز صلحه ) أي أن يصالح الضامن رب الدين ( عنه ) أي عن الدين ( بما جاز للغريم ) أي المدين الصلح به عما عليه لتنزيله منزلته ( على الأصح ) فما جاز للغريم أن يدفعه عوضا عما عليه جاز للضامن وما لا فلا فيجوز الصلح بعد الأجل عن دنانير جيدة بأدنى منها أو عكسه ولا يجوز عن طعام قرض قبل الأجل بأكثر وكذا بعده ولا يجوز عن طعام سلم بأدنى أو أجود قبل الأجل وكذا عروض من سلم واستثني مسألتان من كلامه الأولى صلحه بدينار عن دراهم وعكسه حالا الثانية صلحه عن طعام سلم بأدنى منه أو أجود بعد الأجل في المسألتين فإن ذلك جائز للغريم لا للضامن لا إن لم يحل الأجل فيهما ( ورجع ) الضامن الغارم على المدين ( بالأقل منه ) أي الدين ( أو قيمته ) أي ما صالح به أي رجع بالأقل من الأمرين وهما الدين أو قيمة ما صالح به ( وإن برئ الأصل ) أي المدين بهبة الدين له أو موته مليا ورب الدين وارثه أو نحو ذلك ( برئ ) الضامن ; لأن طلبه [ ص: 337 ] فرع ثبوت الدين على الأصل ( لا عكسه ) أي ليس كلما برئ الضامن برئ الأصل بل قد يبرأ وقد لا يبرأ كبراءة الضامن من الضمان بانقضاء مدة ضمانه وكما إذا وهب رب الدين دينه للضامن فإن الأصل يكون مطلوبا له

التالي السابق


. ( قوله : ولو مقوما ) اعلم أن محل رجوع الضامن بمثل المقوم لا بقيمته إذا كان المقوم الذي دفعه من جنس الدين كما لو كان الدين خمسة أثواب فأداها الضامن أثوابا فيرجع بمثلها لا بقيمتها فإن كان من غير جنسه فإنه يرجع بالأقل من الدين وقيمة المقوم كما لو كان [ ص: 336 ] الدين خمسة محابيب ودفع الضامن خمسة أثواب فإنه يرجع بالأقل من الدين وقيمة الثياب ورد المصنف بلو على من قال يخير المطلوب إذا دفع الضامن مقوما من جنس الدين في دفع مثل المقوم أو قيمته ومحل الخلاف إذا كان ذلك الضامن لم يشتر ذلك المقوم الذي دفعه بأن كان عنده في ملكه ودفعه لرب الدين أما لو اشتراه لرجع بثمنه اتفاقا كما قال ابن رشد وابن يونس واللخمي ما لم يحاب وإلا لم يرجع بالزيادة فإذا اشترى ثوبا بعشرين والحال أن قيمتها عشرة ودفعها لرب الدين فلا يرجع على المدين إلا بقيميها وهو عشرة ويضيع عليه عشرة المحاباة .

( قوله : أو بإقرار رب الحق ) أي لا بإقرار المضمون وفي الشامل ولو دفع الضامن للطالب بحضرة المضمون دون بينة وأنكر الطالب لم يرجع الضامن على المضمون بشيء لتفريطه بعدم الإشهاد وهو أقوى القولين كما في ح فإن كان الدفع من مال المضمون فهو المقصر فإن غرمها الضامن ثانيا لعسر المضمون لم يرجع على المضمون لعلمه بأنه أداها انظر ح .

( قوله : وجاز صلحه عنه جاز للغريم على الأصح ) أشار المصنف بهذا إلى أن في مصالحة الكفيل رب الدين خلافا فقيل بالمنع مطلقا وقيل بالجواز مطلقا وقيل بالمنع إذا وقع الصلح بمثلي مخالف لجنس الدين فإن كان بمثلي مماثل لجنس الدين أو بمقوم مماثل لجنس الدين أو مخالف جاز والمصنف مشى على القول بالجواز مطلقا سواء صالح بمثلي أو بمقوم لكن يستثنى منه الصورتان الآتيتان .

وقال بعضهم الظاهر أن المصنف أراد المصالحة بالمقوم عن العين ويدل له قوله بعد ورجع بالأقل منه ومن قيمته وقد حكى بعضهم الخلاف فيها كما في التوضيح وإن كان نص المدونة فيها الجواز وحكى المازري عليه الاتفاق وقبله ابن عرفة .

( قوله : فيجوز الصلح بعد الأجل إلخ ) أي كما تجوز المصالحة بالمقوم عن العين إما اتفاقا على ما قاله المازري أو على الراجح عند غيره وفي الصلح بمثلي عن العين قولان بالمنع والجواز بناء على تأثير الغرر بما يرجع به الحميل لتخيير الغريم في دفع ما عليه وما أدى عنه ولغوه لأنه معروف .

( قوله : بأدنى منها ) أي لأنه حسن اقتضاء وقوله أو عكسه أي وهو الصلح بعد الأجل عن دنانير رديئة بجيدة لأنه حسن قضاء .

( قوله : ولا يجوز عن طعام ) أي لما تقدم أن قضاء القرض بأكثر ممنوع مطلقا قبل الأجل أو بعده في قول المصنف لا أزيد عددا أو وزنا إلا كرجحان ميزان للسلف بمنفعة .

( قوله : بأدنى ) أي لما فيه من ضع وتعجل وقوله أو أجود أي لما فيه من حط الضمان وأزيدك .

( قوله : وكذا عروض من سلم ) أي يمنع الصلح عليها قبل الأجل بأدنى أو أجود وهذا إذا صولح عليها بجنسها وأما بغير جنسها فتجوز بالشروط الثلاثة التي ذكرها المصنف في آخر السلم بقوله وبغير جنسه إن جاز بيعه قبل قبضه وبيعه بالمسلم فيه مناجزة وأن يسلم فيه في رأس المال .

( قوله صلحه بدينار ) أي حال عن دراهم حل أجلها وقوله وعكسه أي وهو صلحه بدراهم حالة عن دينار حل أجله وأورد على الشارح أن كلام المصنف لا عموم فيه إذ لم يقل كل ما جاز صلح الغريم فيه جاز للضامن الصلح فيه حتى يحتاج للاستثناء وإنما قال وجاز إلخ وهذه قضية مهملة لا عموم فيها في قوة الجزئية ويكفي في صحتها الصدق ببعض الأفراد وأجيب بأن الشارح لاحظ ما قالوه أن مهملات العلوم كليات .

( قوله : فإن ذلك جائز للغريم ) أي لأنه صرف ما في الذمة في الأولى وحسن قضاء أو اقتضاء في الثانية ( قوله لا للضامن ) أي للصرف المؤخر في الأولى بين الضامن والمضمون عند دفع الضامن وبيع الطعام قبل قبضه في الثانية لأن رب الدين قد باعه للضامن قبل أن يقبضه من المدين ( قوله ورجع الضامن ) أي فيما إذا صالح عن العين بمقوم كما إذا كان الدين خمسة دنانير فصالح عنها بعشرة أثواب فيرجع الضامن على المدين بالأقل من الخمسة دنانير وقيمة الأثواب العشرة .

( قوله : أو موته مليا ) أي وأما لو مات معدما غرم الكفيل [ ص: 337 ]

( قوله : فرع ثبوت الدين ) أي وقد انتفى ثبوته على الأصل بهبة الدين له وبموته مليا ورب الدين وارثه ( قوله بل قد يبرأ ) أي الأصل ببراءة الضامن أي كما إذا أدى الضامن فإن كلا منهما يبرأ بدفعه .

( قوله : بانقضاء إلخ ) أي فيما لو كان الضمان مقيدا بوقت كأن يقول الضامن ضمانه علي في مدة شهرين من أجل الدين أي أنه إذا مات أو فلس فيهما غرمت ما عليه لأنه يجوز في الضمان أن يقع مؤجلا كأن يقع لمدة معينة وإن كان لا يحل ذلك في الرهن لطلب الحوز فيه .

( قوله : فإن الأصل يكون مطلوبا له ) أي ولا تتم له هذه الهبة إلا إذا قبض الضامن ذلك الدين من المدين قبل حصول المانع للواهب




الخدمات العلمية