الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  413 84 - حدثنا يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن شهاب ، عن سهل بن سعد أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا ، أيقتله ؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله " أيقتله ؟ " ؛ لأنه لو لم ير مباشرة تامة لما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جواز قتل الرجل ، وإلا فمجرد وجدان الرجل مع امرأته من غير مباشرة لا يقتضي سؤال القتل فيه ، ففي الجملة ليس فيه إشعار بالزنا ولا يقتضيه إلا ما يفهم من قوله : " أيقتله ؟ " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة ؛ الأول : يحيى بن موسى أبو زكريا ، يعرف بالخت ؛ بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق . الثاني : عبد الرزاق بن همام الصنعاني . الثالث : عبد الملك بن جريج . الرابع : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . الخامس : سهل بن سعد بن مالك بن خالد الخزرجي الساعدي ، أبو العباس ، وقيل : أبو يحيى .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، والإخبار بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد ، وفيه العنعنة في موضع ، وفيه : حدثنا يحيى مجردا في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني يحيى بن موسى ، وقال ابن السكن : هو يحيى بن موسى ، وقيل : هو يحيى بن جعفر البيكندي . وقال الكرماني : ويحتمل أن يراد به يحيى بن معين ؛ لأنه سمع من عبد الرزاق . قلت : الأصح ما قاله ابن السكن ، وفيه أن رواته ما بين بلخي وصنعاني ومكي ومدني .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 164 ] ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن إسماعيل بن عبد الله ، وفي التفسير عن عبد الله بن يوسف ؛ كلاهما عن مالك ، وفي الاعتصام عن آدم عن ابن أبي ذئب ، وفي الأحكام وفي المحاربين عن علي بن عبد الله عن سفيان ، وفي التفسير عن أبي الربيع الزهراني عن فليح ، وعن إسحاق عن الفريابي عن الأوزاعي ، وفي الطلاق أيضا عن يحيى عن عبد الرزاق . وأخرجه مسلم في اللعان عن يحيى بن يحيى عن مالك ، وعن حرملة عن ابن وهب ، وعن محمد بن رافع عن عبد الرزاق . وأخرجه أبو داود في الطلاق عن القعنبي عن مالك مطولا ، وعن أبي الربيع الزهراني ببعضه ، وعن مسدد ووهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح وعمرو بن عثمان ، وعن محمود بن خالد ، وعن أحمد بن صالح ، وعن محمد بن جعفر الوركاني . وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم عن مالك به ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي مروان محمد بن عثمان .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه وما يستنبط منه ) : قوله ( أن رجلا ) اختلفوا فيه ؛ فقيل : إنه هلال بن أمية ، وقيل : عاصم بن عدي ، وقيل : عويمر العجلاني . قلت : روى الطحاوي من حديث الزهري عن سهل بن سعد الساعدي أن عويمرا جاء إلى عاصم بن عدي فقال : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله ، أتقتلونه ؟ سل يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث ، وفي حديث أنس رضي الله تعالى عنه هلال بن أمية ، روى الطحاوي من حديث ابن سيرين عن أنس بن مالك أن هلال بن أمية قذف شريك بن سمحاء بامرأته فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ائت بأربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك . . . الحديث ، وفيه : فنزلت آية اللعان . وأخرجه مسلم والنسائي أيضا ، وفي حديث ابن عباس : عويمر العجلاني ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين العجلاني وامرأته . . . الحديث ، رواه الطحاوي وأحمد في مسنده والبيهقي في سننه ، ووقع في حديث عبد الله بن مسعود : " وكان رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلاعن امرأته " . وقال المهلب : الصحيح أن القاذف عويمر ، والذي ذكر في حديث ابن عباس من قوله : " العجلاني " هو عويمر ، وكذا في قول عبد الله بن مسعود : " وكان رجلا " ، وهلال بن أمية خطأ ، وأظنه غلطا من هشام بن حسان وذلك لأنها قصة واحدة ، والدليل على ذلك توقفه - صلى الله عليه وسلم - فيها حتى نزلت الآية الكريمة ، ولو أنهما قضيتان لم يتوقف على الحكم في الثانية بما نزل عليه في الأولى . قلت : كأنه تبع في هذا الكلام محمد بن جرير ، فإنه قال في التهذيب يستنكر قوله في الحديث : " هلال بن أمية " : وإنما القاذف عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد بن عجلان . وفيما قالاه نظر ؛ لأن قضية هلال وقذفه زوجته بشريك ثابتة في صحيح البخاري في موضعين : الشهادات والتفسير ، وفي صحيح مسلم من حديث أنس ، وقال ابن التين : الصحيح أن هلالا لاعن قبل عويمر . وقال الماوردي في الحاوي : الأكثرون على أن قصة هلال أسبق من قصة عويمر . وفي الشامل لابن الصباغ : قصة هلال تبين أن الآية الكريمة نزلت فيه أولا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أرأيت رجلا ) ، الهمزة فيه للاستفهام ؛ أي : أخبرني بحكمه في أنه هل يجوز قتله أو لا ؟

                                                                                                                                                                                  قوله ( فتلاعنا ) فيه حذف كثير ، وقد بين ذلك في غيره من الأحاديث التي أخرجها البخاري مكررة كما ذكرنا ، والمحذوف بعد قوله : " أيقتله أم كيف يفعل ؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد قضى الله فيك وفي امرأتك . قال : فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد ، فلما فرغا قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ! فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فرغا من التلاعن ، ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ذاك تفريق بين كل متلاعنين " الحديث ، وسيأتي أحكام اللعان مستقصاة في كتاب اللعان ، وإنما ذكر البخاري هذا الحديث مختصرا لأجل جواز القضاء في المسجد وهو جائز عند عامة العلماء ، وقال مالك : جلوس القاضي في المسجد للقضاء من الأمر القديم المعمول به . وقال ابن حبيب : وكان من مضى من القضاة لا يجلسون إلا في رحاب المساجد خارجا . وقال أشهب : لا بأس أن يقضي في بيته أو حيث أحب ، واستحب بعضهم الرحاب . وفي المعونة : الأولى أن يقضي في المسجد ، وكان شريح وابن أبي ليلى يقضيان فيه ، وروي عن سعيد بن المسيب كراهية ذلك ؛ قال : لو كان لي من الأمر شيء ما تركت اثنين يختصمان في المسجد . وعن الشافعي كراهيته في المسجد إذا أعده لذلك دون ما إذا اتفقت له حكومة فيه ، إذ فيه حديث : " جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وخصوماتكم " ، ولا يعترض على هذا باللعان لأنها أيمان ويراد بها الترهيب ليرجع المبطل .

                                                                                                                                                                                  قلت : قال أصحابنا جميعا : والمستحب أن يجلس في مجلس الحكم في الجامع ، فإن كان مسجدا [ ص: 165 ] بجنب داره فله ذلك ، وإن قضى في داره جاز ، والجامع أرفق المواضع بالناس وأجدر أن لا يخفى على أحد جلوسه ولا يوم حكمه ، وقد كان الشعبي يقضي في الجامع وشريح يقضي في المسجد ويخطب بالسواد ، وقد قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجده بين الأنصار في مواريث تقادمت ، وكانت الأئمة يقضون في المساجد ، وعثمان رضي الله تعالى عنه في الحر يقيم في المسجد وقضى بين سقا وخصم له في المسجد ، وإن حضر في المسجد لغير الحكم فحضر خصمان لم يكره له أن يحكم بينهما ، وعن عمر بن عبد العزيز : لا يقعد القاضي في المسجد يدخل فيه المشركون ، فإنهم نجس ، وتلا الآية . وكان يحيى بن يعمر في الطريق وقصده رجل إلى منزله ، فقال : القاضي لا يؤتى في منزله . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية