الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  349 22 - ( حدثنا عبيد بن إسماعيل قال : حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه أن عمر بن أبي سلمة أخبره قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملا به في بيت أم سلمة واضعا طرفيه على عاتقيه ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذه طريقة أخرى في الحديث المذكور بالنزول ، عن عبيد بضم العين مصغرا ، ابن إسماعيل ، ويقال : اسمه عبد الله ويعرف بعبيد ، أبو محمد الهباري بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة ، الكوفي ، مات سنة خمس ومائتين ، يروي عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، وقد تقدم في باب فضل من علم ، وفي هذه الطريقة فائدتان ليستا في الطريقتين الأوليين ، إحداهما : أن فيها تصريح هشام عن أبيه بأن عمر أخبره ، وفي الطريقتين الأوليين العنعنة ، والأخرى : فيها ذكر لفظ الاشتمال ، وهو في الحقيقة تفسير قوله : " قد خالف بين طرفيه وألقى طرفيه على عاتقيه " وأخرج الطحاوي هذا الحديث من أربع طرق صحاح ، الأولى : عن أبي بكرة ، قال : " حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا هشام بن حسان وشعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة " أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة " .

                                                                                                                                                                                  الثانية : عن يونس عن ابن وهب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه " عن عمر بن أبي سلمة أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة واضعا طرفيه على عاتقيه " .

                                                                                                                                                                                  الثالثة : عن ابن أبي داود قال : حدثنا ابن أبي مريم وعبد الله بن صالح قال : حدثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عمر بن أبي سلمة قال : " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد ملتحفا به " ، وأخرجه أبو داود عن قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد إلى آخره ، ولفظه في آخره : " مخالفا بين طرفيه على منكبيه " .

                                                                                                                                                                                  الرابعة : مثل رواية أبي داود عن علي بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث قال : حدثني يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عمر بن أبي سلمة قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد ملتحفا به مخالفا بين طرفيه على منكبيه " . قوله : " يصلي في ثوب واحد " جملة فعلية في محل النصب على أنها مفعول ثان لقوله " رأيت " . قوله : " مشتملا " بالنصب على الحال من الرسول ، هذه رواية الأكثرين " وفي رواية المستملي والحموي بالجر أو الرفع ، فوجه الجر للمجاورة ووجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير : وهو مشتمل به . قوله : " في بيت أم سلمة " إما ظرف لقوله يصلي إما للاشتمال وإما لهما ، وقال ابن بطال : التوشح نوع من الاشتمال تجوز الصلاة به ، والفقهاء مجمعون على جواز الصلاة في ثوب واحد ، وقد روي عن ابن مسعود [ ص: 61 ] خلاف ذلك ( قلت ) ذهب طاوس وإبراهيم النخعي وأحمد في رواية وعبد الله بن وهب من أصحاب مالك ومحمد بن جرير الطبري إلى أن الصلاة في ثوب واحد مكروهة إذا كان قادرا على ثوبين ، وإن لم يكن قادرا إلا على ثوب واحد يكره أيضا أن يصلي به ملتحفا مشتملا به ، بل السنة أن يأتزر به ، واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي قال : حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا زهير بن عباد قال : حدثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فإن الله أحق من تزين له ، فإن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى ، ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود " ، ورواه البيهقي أيضا .

                                                                                                                                                                                  وذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين إلى أن الصلاة في ثوب واحد تجوز ، والذين ذهبوا إلى ذلك جماعة من الصحابة وهم : ابن عباس ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وعلي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأنس بن مالك ، وخالد بن الوليد ، وجابر بن عبد الله ، وعمار بن ياسر ، وأبي بن كعب ، وعائشة ، وأسماء ، وأم هانئ - رضي الله تعالى عنهم - . ومن التابعين الحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، والشعبي ، وسعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، ومحمد بن الحنفية ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، وأبو حنيفة - رضي الله تعالى عنهم - . ومن الفقهاء أبو يوسف ، ومحمد ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد في رواية ، وإسحاق بن راهويه ، وآخرون كثيرون ، واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة في هذا الباب ، وقال الطحاوي : تواترت الأحاديث وتتابعت بجواز الصلاة في الثوب الواحد متوشحا به في حال وجود غيره من الثياب ، وأخرج في ذلك عن أحد عشر صحابيا وهم : أبو هريرة ، وطلق بن علي ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عمر ، وعمر بن أبي سلمة ، وسلمة بن الأكوع ، وعبد الله بن عباس ، وأبي بن كعب ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وأم هانئ - رضي الله تعالى عنهم - ، ولما أخرج الترمذي حديث عمر بن أبي سلمة في الصلاة في ثوب واحد . قال : وفي الكتاب عن أبي هريرة ، وجابر ، وسلمة بن الأكوع ، وأنس ، وعمرو بن أبي أسد ، وأبي سعيد ، وكيسان ، وابن عباس ، وعائشة ، وأم هانئ ، وعمار بن ياسر ، وطلق بن علي ، وعبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنهم .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) وفي الباب أيضا عن حذيفة ، وعبد الله بن أبي أمية ، وعبد الله بن أبي أنيس ، وعبد الله بن سرجس ، وعبد الله بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، وعلي بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأبي أمامة ، وأبي عبد الرحمن حاضن عائشة ، وأم حبيبة ، وأم الفضل ، ورجل لم يسم .

                                                                                                                                                                                  فحديث أبي هريرة عند البخاري وأبي داود ، وحديث طلق بن علي عند أبي داود والطحاوي ، وحديث جابر عند الطحاوي والبزار ، وحديث عبد الله بن عمر عند الطحاوي ، وحديث عمر بن أبي سلمة عند البخاري وغيره ، وحديث سلمة بن الأكوع عند أبي داود والطحاوي ، وحديث أم هانئ عند البخاري وغيره ، وحديث عبد الله بن عباس عند الطحاوي ، وحديث أبي بن كعب عند ابن أبي شيبة والطحاوي ، وحديث أبي سعيد الخدري عند ابن ماجه والطحاوي ، وحديث أنس بن مالك عند أحمد والطحاوي ، وحديث عمرو بن أبي أسد عند البغوي في معجم الصحابة ، والحسن بن سفيان في مسنده ، وحديث كيسان عند ابن ماجه ، وحديث عائشة عند أبي داود ، وحديث عمار بن ياسر عند ( 1 ) وحديث عبادة بن الصامت عند الطبراني في الكبير ، وحديث حذيفة عند أحمد ، وحديث عبد الله بن أبي أمية عند الطبراني في الكبير ، وحديث عبد الله بن أبي أنيس عند الطبراني أيضا ، وحديث عبد الله بن سرجس عنده أيضا ، وحديث عبد الله بن عبد الله المغيرة عند أحمد ، وحديث علي بن أبي طالب عند الطبراني ، وحديث معاذ عنده أيضا ، وحديث معاوية عنده أيضا ، وحديث أبي أمامة عنده أيضا ، وحديث عبد الرحمن حاضن عائشة عنده أيضا في الأوسط ، وحديث أم حبيبة عند أحمد ، وحديث أم الفضل عنده أيضا ، وحديث الرجل الذي لم يسم عنده أيضا ، فمن أراد أن يقف على متون أحاديثهم بأسانيدها فعليه بشرحنا شرح معاني الآثار . وأما الجواب عما احتجت به الطائفة الأولى من حديث عبد الله بن عمر فهو أن ابن عمر روى عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - إباحة الصلاة في ثوب واحد أخرجه الطحاوي عن أبي بكرة عن روح عن زمعة بن صالح قال : سمعت ابن شهاب يحدث عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - مثل ما روى البخاري عن جابر - رضي الله تعالى عنه - فظهر من هذا أن حديثه ذاك في استعمال الأفضل ، فبهذا يرتفع الخلاف بين روايتيه ، وكذلك كل ما روي في هذا الباب من منع الصلاة في ثوب واحد ، فهو محمول على الأفضل لا على عدم الجواز ، وقيل : هو محمول على التنزيه لا على التحريم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية