الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  613 [ ص: 155 ] 35 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف، حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف، قال: على مكانكم، فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء وقد اغتسل.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم ستة: عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القريشي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في أربعة مواضع، وفيه القول في موضع واحد، وفيه أن شيخ البخاري من أفراده، وفيه رواية ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهم صالح بن كيسان فإنه رأى عبد الله بن عمر، والزهري، وأبو سلمة، وفيه أن رواته كلهم مدنيون.

                                                                                                                                                                                  وأخرج البخاري في كتاب الغسل في باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم، حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: حدثنا يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: " أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب، فقال لنا: مكانكم، ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر وصلينا معه " وقد قلنا هناك: إنه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، وتكلمنا بما فيه الكفاية، ولنتكلم هنا بما يتعلق بالحديث المذكور.

                                                                                                                                                                                  فقوله: " خرج " أي: من الحجرة، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون خروجه في حال الإقامة، ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه، وهو ظاهر في الرواية التي في الباب الذي بعده لتعقيب الإقامة بالتسوية وتعقيب التسوية بخروجه جميعا بالفاء.

                                                                                                                                                                                  (قلت): ليس فيه الاحتمالان اللذان ذكرهما، بل معنى الحديثين سواء لأن الجملتين أعني قوله: " وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف " وقعتا حالين، والمعنى أنه خرج والحال أنهم أقاموا الصلاة وعدلوا الصفوف، وكذلك معنى الحديث الثاني لأن الفاء فيه ليست للتعقيب كما ظنه هذا القائل، وإنما هذه الفاء تسمى فاء الحال، والمعنى حال إقامة الصلاة وتعديل الصفوف خرج النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الكرماني : (فإن قلت): السنة أن تكون الإقامة بنظر الإمام فلم أقيمت قبل خروجه؟ وتقدم حديث: " لا تقوموا حتى تروني " فلم عدلت الصفوف قبل ذلك؟

                                                                                                                                                                                  (قلت): لفظ قد يقرب الماضي من الحال، فمعناه خرج في حال الإقامة وفي حال التعديل، فلا يلزم المحذوران المذكوران أو علموا بالقرائن خروجه أو أذن له في الإقامة ولهم في القيام. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا حاجة إلى قوله بأن لفظ قد يقرب الماضي من الحال لأن الجملة التي دخلت عليها لفظة قد حالية كما ذكرنا، والأصل أن الجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالا تدخل عليها قد كما تدخل الواو على الجملة الاسمية إذا وقعت حالا، وإذا دخلت الجملة الفعلية الواقعة حالا عن لفظة قد ظاهرا تقدر فيها كما في قوله تعالى: أو جاءوكم حصرت صدورهم أي: قد حصرت.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وعدلت " أي: سويت.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى إذا قام في مصلاه انتظرناه أن يكبر انصرف " وفي رواية مسلم من طريق يونس، عن الزهري " قبل أن يكبر فانصرف "، وفيه دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): يعارضه ما رواه أبو داود وابن حبان " عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم " وما رواه مالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا .

                                                                                                                                                                                  (قلت): إذا قلنا إنهما واقعتان فلا تعارض وإلا فالذي في الصحيح أصح.

                                                                                                                                                                                  قوله: " انتظرنا " جملة حالية عامل في الظرف.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أن يكبر " كلمة أن مصدرية أي: انتظرنا تكبيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " انصرف " أي: إلى الحجرة وهو جواب إذا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال " استئناف.

                                                                                                                                                                                  قوله: " على مكانكم " أي: توقفوا على مكانكم والزموا موضعكم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فمكثنا " من المكث وهو اللبث.

                                                                                                                                                                                  قوله: " على هيئتنا " بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الهمزة بعدها التاء المثناة من فوق؛ أي: على الهيئة والصورة التي كنا عليها وهي قيامهم في الصفوف المعدلة، وفي رواية الكشميهني على " هينتنا " بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وكسر التاء المثناة من فوق، والهينة الرفق والتأني، ورواية الجماعة أصوب وأوجه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ينطف " بكسر الطاء وضمها أي: يقطر كما صرح به في الرواية التي تأتي بعد هذه، وهذه الجملة حال وكذا [ ص: 156 ] قوله: " وقد اغتسل " وماء نصب على التمييز وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال: " إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل ".

                                                                                                                                                                                  (ومما يستفاد من هذا الحديث) جواز النسيان على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أمر العبادة للتشريع، وطهارة الماء المستعمل، وانتظار الجماعة لإمامهم ما دام في سعة من الوقت، وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأن قوله: " فصلى " ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة، وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد.

                                                                                                                                                                                  (قلت): الظاهر أنه إذا لم يكن له عذر، وفيه أنه لا حياء في أمر الدين.

                                                                                                                                                                                  ، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والصلاة، وجواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث، وفيه أنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية