الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  663 (قال أبو عبد الله : وقال لنا محمد بن يوسف: قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبيد الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج، فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم ).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (ويصلي لنا إمام فتنة) إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة: الأول: محمد بن يوسف الفريابي، الثاني: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، الثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، الرابع: حميد بن عبد الرحمن بن عوف مر في أوائل كتاب الإيمان، والخامس: عبيد الله بتصغير العبد، ابن عدي بفتح العين وكسر الدال المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، ابن خيار بكسر الخاء المعجمة، وخفة الياء آخر الحروف، وبالراء النوفلي المدني التابعي، أدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تثبت رؤيته، وكان من فقهاء قريش وثقاتهم، مات زمن الوليد بن عبد الملك .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده):

                                                                                                                                                                                  فيه أولا: قال البخاري، قال لنا محمد بن يوسف : قال صاحب التلويح: كأنه أخذ هذا الحديث مذاكرة، فلهذا لم يقل فيه: حدثنا. وقيل: إنه مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض. وقيل: إنه متصل من حيث اللفظ منقطع من حيث المعنى، وقال بعضهم: هو متصل لكن لا يعبر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفا أو كان فيه راو ليس على شرطه، والذي هنا من قبيل الأول، قلت: إذا كان الراوي على غير شرطه كيف يذكره في كتابه؟ وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول في موضعين، وفيه رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض، وهم الزهري عن حميد عن عبيد الله، وفيه الزهري عن حميد، وفي رواية الإسماعيلي : أخبرني حميد، وفيه حدثنا الأوزاعي، وفي رواية ابن [ ص: 231 ] المبارك عن الأوزاعي، وفيه عن حميد عن عبيد الله، وفي رواية أبي نعيم والإسماعيلي : حدثني عبيد الله بن عدي .

                                                                                                                                                                                  (ذكر من وصله)

                                                                                                                                                                                  وصله الإسماعيلي، قال: حدثنا عبد الله بن يحيى السرخسي، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا الأوزاعي، حدثنا الزهري فذكره، وقال أيضا: حدثنا إبراهيم بن هانئ، حدثنا الزيادي، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة، حدثنا يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبيد الله بن عدي به، ومن طريق هقل بن زياد : سمعت الأوزاعي، عن الزهري، حدثني حميد، ومن طريق عيسى عن الأوزاعي عن الزهري عن حميد : حدثني عبيد الله بن عدي، ورواه أبو نعيم الأصبهاني من طريق الحسن بن سفيان عن حبان، عن عبد الله بن المبارك، أخبرنا الأوزاعي، فذكره.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: ( وهو محصور ) جملة اسمية وقعت حالا على الأصل بالواو أي محبوس في الدار ممنوع عن الأمور. قوله: ( إمام ) عامة بالإضافة أي إمام جماعة، وفي رواية يونس : وأنت الإمام أي الإمام الأعظم. قوله: ( ما نرى ) بنون المتكلم، ويروى ما ترى بتاء المخاطب أي ما ترى من الحصار وخروج الخوارج عليك. قوله: ( ويصلي لنا إمام فتنة ) أي رئيس فتنة، وقال الداودي : أي في وقت فتنة، وقال ابن وضاح : إمام الفتنة هو عبد الرحمن بن عديس البلوي، وهو الذي جلب على عثمان رضي الله تعالى عنه أهل مصر، وقال ابن الجوزي : وقد صلى كنانة بن بشر أحد رؤوس الخوارج بالناس أيضا وكان هؤلاء لما هجموا على المدينة كان عثمان يخرج فيصلي بالناس شهرا، ثم خرج يوما فحصبوه حتى وقع على المنبر ولم يستطع الصاة يومئذ، فصلى بهم أبو أمامة بن سهل بن حنيف، فمنعوه فصلى بهم عبد الرحمن بن عديس تارة وكنانة بن بشر تارة، فبقيا على ذلك عشرة أيام؛ فإن قلت: صلى بهم أبو أمامة بن سهل بن حنيف، وعلي بن أبي طالب، وسهل بن حنيف، وأبو أيوب الأنصاري، وطلحة بن عبيد الله، فكيف يقال في حقهم إمام فتنة؟ قلت: وليس واحد من هؤلاء مرادا بقوله: ( إمام فتنة )، دل على ذلك تفسير الداودي بقوله: ( أي في وقت فتنة )، أو يقول أنهم استأذنوه في الصلاة فأذن لهم لعلمه أن المصريين لا يصلون إليهم بشر، فإن قلت: هل ثبت صلاة هؤلاء؟ قلت: أما صلاة أبي أمامة فقد رواه عمر بن شيبة بإسناد صحيح، ورواه المدايني من طريق أبي هريرة، وأما صلاة علي رضي الله تعالى عنه فرواه الإسماعيلي في تاريخ بغداد من رواية ثعلبة بن يزيد الجماني، قال: فلما كان يوم العيد عيد الأضحى جاء علي فصلى بالناس، وقال عبد الله بن المبارك فيما رواه الحسن الحلواني : لم يصل بهم غير صلاة العيد، وفعل ذلك علي رضي الله تعالى عنه لئلا تضاع السنة، وقال غيره: صلى بهم عدة صلوات، وأما صلاة سهل بن حنيف فرواه عمر بن شيبة أيضا بإسناد قوي. قوله: ( ونتحرج ) بالحاء المهملة، وبالجيم من التحرج أي نخاف الوقوع في الإثم، وأصل الحرج الضيق ثم استعمل للإثم لأنه يضيق على صاحبه، وفي رواية ابن المبارك : وإنا لنتحرج من الصلاة معهم، وهذا القول ينصرف إلى صلاة من صلى من رؤساء الخوارج في وقت الفتنة، ولا يدخل فيه من ذكرناهم من الصحابة. قوله: ( فقال: الصلاة أحسن )، أي قال عثمان رضي الله تعالى عنه: الصلاة أحسن، فقوله: ( الصلاة ) مبتدأ، وقوله: ( أحسن ) مضاف إلى ما بعده خبره، وفي رواية ابن المبارك : إن الصلاة أحسن، وفي رواية هقل بن زياد عن الأوزاعي عن الإسماعيلي : الصلاة أحسن ما يعمل الناس؛ فإن قلت: هذا يدل على أن عثمان لم يذكر الذي أمهم من رؤساء الخوارج بمكروه، وتفسير الداودي على هذا لا اختصاص له بالخارجي، قلت: لا يلزم من كون الصلاة أحسن ما يعمل الناس أو من أحسن ما عمل الناس أن لا يستحق فاعلها ذما عند وجود ما يقتضيه. قوله: ( فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ) ظاهره أن عثمان رضي الله تعالى عنه رخص له في الصلاة معهم كأنه يقول: لا يضرك كونه مفتونا إذا أحسن فوافقه على إحسانه واترك ما افتتن به، وبهذا توجد المطابقة بينه وبين الترجمة، وقال ابن المنير : يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة خلفه لا تصح فحاد عن الجواب بقوله: (الصلاة أحسن ما يعمل الناس) لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحة، وصلاة الخارجي غير صحيحة لأنه إما كافر أو فاسق، انتهى. وأجيب بأن هذا الذي قاله إنما هو نصرة لمذهبه في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق، وهذا مردود لما روى سيف بن عمر في الفتوح عن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه، قال: كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال: من دعا إلى الصلاة فأجيبوه.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 232 ] (ذكر ما يستفاد منه) فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها، ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد يدل عليه. قوله: ( وإذا أساؤوا فاجتنب )، وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة، وقال بعضهم: وفيه رد على من زعم أن الجمعة لا تجزئ أن تقام بغير إذن الإمام، قلت: ليس فيه رد بل دعوى الرد على ذلك مردودة لأن عليا صلى يوم عيد الأضحى الذي شرطها أن يصلي من يصلي الجمعة، فمن أين ثبت أنه صلى بغير إذن عثمان؟ وكذلك روي عنه أنه صلى عدة صلوات وفيها الجمعة، فمن ادعى أنه صلى بغير استئذان فعليه البيان ولئن سلمنا أنه صلى بغير استئذان ولكن كان ذلك بسبب تخلف الإمام عن الحضور، وإذا تعذر حضور الإمام فعلى المسلمين إقامة رجل منهم يقوم به، وهذا كما فعل المسلمون بموته لما قتل الأمراء اجتمعوا على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أو نقول: إن عليا لم يتوصل إليه، فعن هذا قال محمد بن الحسن : لو غلب على مصر متغلب وصلى بهم الجمعة جاز، ونقل ذلك عن الحسن البصري، وكان علي رضي الله تعالى عنه أولى بذلك لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم رضوا به وصلوا وراءه، وسواء كان بإذن أو لا بإذن فلا نرى جوازها بغير إذن الإمام، وكيف وقد روى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله ، قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم.. الحديث.

                                                                                                                                                                                  وفيه: فمن تركها أي الجمعة في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها وجحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ولا زكاة له، ولا حج له، ولا صوم له، ولا بر له حتى يتوب
                                                                                                                                                                                  .. الحديث، ومن هذا أخذ أصحابنا، وقالوا: لا تجوز إقامتها إلا للسلطان، وهو الإمام الأعظم أو لمن أمره كالنائب، والقاضي، والخطيب؛ فإن قلت: هذا الحديث ضعيف، وفي سنده عبد الله بن محمد، وهو تكلم فيه، قلت: هذا روي من طرق كثيرة ووجوه مختلفة فحصل له بذلك قوة فلا يمنع من الاحتجاج به، وأما الصلاة خلف الخوارج وأهل البدع فاختلف العلماء فيه، فأجازت طائفة منهم ابن عمر إذا صلى خلف الحجاج، وكذلك ابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير ثم خرجا عليه، وقال النخعي : كانوا يصلون وراء الأمراء ما كانوا، وكان أبو وائل يجمع مع المختار بن عبيد، وسئل ميمون بن مهران عن الصلاة خلف رجل يذكر أنه من الخوارج، فقال: أنت لا تصلي له إنما تصلي لله عز وجل، وقد كنا نصلي خلف الحجاج، وكان حروريا أزرقيا، وروى أشهب عن مالك : لا أحب الصلاة خلف الإباضية والواصلية، ولا السكنى معهم في بلد، وقال ابن القاسم : أرى الإعادة في الوقت على من صلى خلف أهل البدع، وقال أصبغ : يعيد أبدا، وقال الثوري في القدري: لا تقدموه، وقال أحمد بن حنبل : لا يصلى خلف أحد من أهل الأهواء إذا كان داعيا إلى هواه، ومن صلى خلف الجهمية، والرافضية، والقدرية يعيد، وقال أصحابنا: تكره الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة، ولا تجوز خلف الرافضي، والجهمي، والقدري لأنهم يعتقدون أن الله لا يعلم الشيء قبل حدوثه، وهو كفر، والمشبهة ومن يقول بخلق القرآن، وكان أبو حنيفة لا يرى الصلاة خلف المبتدع، ومثله عن أبي يوسف، وأما الفاسق بجوارحه كالزاني وشارب الخمر، فزعم ابن الحبيب أن من صلى خلف من شرب الخمر يعيد أبدا إلا أن يكون واليا. وقيل في رواية: يصح، وفي المحيط: لو صلى خلف فاسق أو مبتدع يكون محرزا لثواب الجماعة ولا ينال ثواب من صلى خلف المتقي، وفي المبسوط: يكره الاقتداء بصاحب البدعة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية