الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  522 24 - (حدثنا محمد بن مقاتل، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا عوف، عن سيار بن سلامة، قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فقال له أبي: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي المكتوبة؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ويصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين إلى المائة).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (ويصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة) وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في باب وقت الظهر عند الزوال، عن حفص بن عمر، عن شعبة، عن أبي المنهال، وهو سيار بن سلامة، وهاهنا، عن محمد بن مقاتل، عن عبد الله بن المبارك، عن عوف الأعرابي، عن سيار بن سلامة، عن أبي برزة نضلة بن عبيد، وفيه تقديم وتأخير وزيادة ونقصان، ويظهر ذلك بالمقابلة، وقد ذكرنا هناك ما فيه الكفاية، ونذكر هاهنا ما لم نذكر هناك. قوله: (قال دخلت أنا وأبي) القائل هو سيار، وأبوه سلامة، وحكى عنه ابنه هنا، ولابنه عنه رواية في الطبراني (الكبير) في ذكر الحوض، وكان دخولهما على أبي برزة زمن أخرج ابن زياد من البصرة، قاله الإسماعيلي، وكان ذلك في سنة أربع وستين.

                                                                                                                                                                                  وقال الإسماعيلي : لما كان زمن أخرج ابن زياد ووثب مروان بالشام، قال أبو المنهال: انطلق أبي إلى أبي برزة، وانطلقت معه، فإذا هو قاعد في ظل غلولة من قصب في يوم شديد الحر، فذكر الحديث. قوله: (المكتوبة)؛ أي: الصلوات المفروضة التي كتبها الله تعالى على [ ص: 35 ] عباده.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: استدل به على أن الوتر ليس من المكتوبة؛ لكون أبي برزة لم يذكره، (قلت): عدم ذكره إياه لا يستلزم نفي وجوب الوتر، وقد ثبت وجوبه بدلائل أخرى. قوله: (يصلي الهجير)، وهو الهاجرة؛ أي: صلاة الهجير، وهو وقت شدة الحر، وسمي الظهر بذلك؛ لأن وقتها يدخل حينئذ. قوله: (التي تدعونها الأولى) وتأنيث الضمير إما باعتبار الهاجرة وإما باعتبار الصلاة، ويروى: يصلي الهجيرة، وإنما قيل لها الأولى؛ لأنها أول صلاة صليت عند إمامة جبريل - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  وقال البيضاوي : لأنها أول صلاة النهار. قوله: (حين تدحض)؛ أي: حين تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب، من الدحض، وهو الزلق، ومقتضى ذلك أنه كان يصلي الظهر في أول وقتها، ولكن لا يعارض حديث الأمر بالإبراد لما ذكرنا وجه ذلك مستقصى. قوله: (إلى رحله) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة، وهو مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث. قوله: (في أقصى المدينة) صفة لرحل وليس بظرف للفعل. قوله: (والشمس حية)؛ أي: بيضاء نقية، والواو فيه للحال، وفي (سنن أبي داود ) بإسناد صحيح، عن خيثمة التابعي، قال: " حياتها أن تجد حرها ". قوله: (ونسيت ما قال) قائل ذلك هو سيار، بينه أحمد في روايته، عن حجاج، عن شعبة به. قوله: (وكان)؛ أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم. قوله: (أن يؤخر العشاء)؛ أي: صلاة العشاء. قوله: (التي تدعونها العتمة)، بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق، والعتمة من الليل بعد غيبوبة الشفق، وقد أعتم الليل؛ أي: أظلم، وفيه إشارة إلى ترك تسميتها بذلك. قوله: (والحديث بعدها)؛ أي: التحدث. قوله: (وكان ينفتل)؛ أي: ينصرف من الصلاة أو يلتفت إلى المأمومين. قوله: (صلاة الغداة)؛ أي: الصبح، وفيه أنه لا كراهة في تسمية الصبح بذلك. قوله: (يقرأ)؛ أي: في الصبح بالستين إلى المائة؛ أي: من الآي، وقدرها الطبراني بسورة الحاقة ونحوها.

                                                                                                                                                                                  وقال النووي : هذا الحديث حجة على الحنفية، حيث قالوا: لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه، (قلت): لا نسلم أن الحنفية قالوا ذلك، وإنما هو رواية أسد بن عمرو، عن أبي حنيفة وحده، وروى الحسن عنه أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله، وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر، واختاره الطحاوي، وروى المعلى، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة : إذا صار الظل أقل من قامتين يخرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حتى يصير قامتين، وصححه الكرخي ، وفي رواية الحسن أيضا: إذا صار ظل كل شيء قامة خرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حتى يصير قامتين وبينهما وقت مهمل، وهو الذي يسميه الناس بين الصلاتين، وحكى ابن قدامة في (المغني، عن ربيعة: أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس، وعن عطاء وطاوس: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت الظهر، وما بينهما وقت لهما على سبيل الاشتراك حتى تغرب الشمس.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن راهويه والمزني وأبو ثور والطبراني : إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر، ويبقى وقت الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات، ثم يتمحض الوقت للعصر، وبه قال مالك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية