الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  645 68 - حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا، فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة أصلي كيف رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ قال: مثل شيخنا هذا، قال: وكان شيخا يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولى .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة: الأول موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي، الثاني: وهيب تصغير وهب بن خالد صاحب الكرابيسي، الثالث: أيوب بن أبي تميمة السختياني، الرابع: أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، الخامس: مالك بن الحويرث الليثي .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وفيه العنعنة في موضع واحد، وفيه القول في ثلاثة مواضع، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي لأن أيوب رأى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وفيه أن رواته كلهم بصريون، ومالك بن الحويرث سكن البصرة .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه [ ص: 201 ] ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن معلى بن أسد، وعن سليمان بن حرب، وأبي النعمان محمد بن الفضل، وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد، وزياد بن أيوب، وأخرجه النسائي فيه عن زياد بن أيوب، وعن محمد بن بشار .

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: ( في مسجدنا ) هذا الظاهر أنه مسجد البصرة قوله: (إني لأصلي) اللام فيه للتأكيد، وهي مفتوحة. قوله: ( وما أريد الصلاة ) الواو فيه للحال أي ليس مقصودي أداء فرض الصلاة لأنه ليس وقت الفرض أو لأني صليته، بل المقصود أن أعلمكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكيفيتها؛ فإن قلت: في هذا النفي يلزم وجود الصلاة بغير قربة، وهذا لا يصح قلت: أوضحت لك معناه، وليس مراده نفي القربة، وإنما هو بيان أن السبب الباعث له على ذلك قصد التعليم؛ فإن قلت: هل تعين التعليم عليه حتى فعل ذلك قلت: يحتمل ذلك لأنه أحد من خوطب بذلك في قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي)؛ فإن قلت: فيه نوع التشريك في العبادة قلت: لا لأن قصده كان التعليم، وليس للتشريك فيه دخل. قوله: ( أصلي كيف رأيت ) أي أصلي هذه الصلاة على الكيفية التي رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، وفي الحقيقة كيف مفعول فعل مقدر تقديره أريكم كيف رأيت، والمراد من الرؤية لازمها، وهي كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم لأن كيفية الرؤية لا يمكن أن يريهم إياها. قوله: ( فقلت لأبي قلابة ) القائل هو أيوب السختياني . قوله: (مثل شيخنا) هذا هو عمرو بن سلمة كما سيأتي في باب اللبث بين السجدتين قال أيوب : وكان ذلك الشيخ يتم الركوع، وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام. قوله: ( في الركعة الأولى ) يتعلق بقوله: (من السجود) أي السجود الذي في الركعة الأولى لا بقوله: (قبل أن ينهض) لأن النهوض يكون منها لا فيها، ويجوز أن يكون في الركعة الأولى خبر مبتدإ محذوف أي: هذا الجلوس أو هذا الحكم به كان في الركعة الأولى، ويجوز أن تكون كلمة في بمعنى من؛ فإن قلت: هل جاء في بمعنى من قلت: نعم كما في قول امرئ القيس :

                                                                                                                                                                                  وهل يعمن من كان أحدث عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال

                                                                                                                                                                                  أي من ثلاثة أحوال؛ فإن قلت: هذه ضرورة الشاعر قلت: لا ضرورة هنا لأن هذا من الطويل فلو قال من لا يختل الوزن.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) من ذلك احتج به الشافعي، وقال: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية يجلس جلسة خفيفة ثم ينهض معتمدا يديه على الأرض، وفي (التلويح) اختلف العلماء في هذه الجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة عقيب الفراغ من الركعة الأولى والثالثة، فقال بها الشافعي في قول، وزعم ابن الأثير أنها مستحبة، وقال في (الأم): يقوم من السجدة الثانية، ولم يأمر بالجلوس، فقال بعض أصحابه: إن ذلك على اختلاف حالين إن كان كبيرا أو ضعيفا جلس وإلا لم يجلس، وقال بعض أصحابه: في المسألة قولان أحدهما لا يجلس، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وروي ذلك عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعمر، وعلي، وأبي الزناد، والنخعي، وقال ابن قدامة : وعن أحمد قول إنه يجلس، وهو اختيار الخلال . وقيل: إنه فصل بين الضعيف وغيره، وقال أحمد : وترك الجلوس عليه أكثر الأحاديث، وقال النعمان بن أبي عياش : أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجلس، قال الترمذي : وعليه العمل عند أهل العلم، وقال أبو الزناد : تلك السنة، وأجابوا عن حديث مالك بن الحويرث بأنه يحتمل ذلك أن يكون بسبب ضعف كان به صلى الله عليه وسلم، وقال السفاقسي : قال أبو عبد الملك : كيف ذهب هذا الذي أخذ به الشافعي على أهل المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بهم عشر سنين، وصلى بهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، والصحابة، والتابعون فأين كان يذهب عليهم هذا المذهب؟ ! قال الطحاوي : والنظر يوجب أنه ليس بين السجود والقيام جلوس لأن من شأن الصلاة التكبير فيها والتحميد عند كل خفض ورفع وانتقال من حال إلى حال، فلو كان بينهما جلوس لاحتاج أن يكبر عند قيامه من ذلك الجلوس تكبيرة كما يكبر عند قيامه من الجلوس في صلاته إذا أراد القيام إلى الركعة التي بعد الجلوس، وروي عن ابن عمر أنه كان يعتمد عند قيامه، وفعله مسروق، ومكحول، وعطاء، والحسن، وهو قول الشافعي، وأحمد محتجين بهذا الحديث، وأجازه مالك في (العتبية) ثم كرهه، ورأت طائفة أن لا يعتمد على يديه إلا أن يكون شيخا أو مريضا، وقال ابن بطال : روي ذلك عن علي، والنخعي، والثوري، وكره الاعتماد ابن سيرين، وقال صاحب (الهداية): وما رواه الشافعي، وهو حديث مالك بن الحويرث محمول على فعله صلى الله عليه وسلم بعد [ ص: 202 ] ما كبر وأسن، قلت: فيه تأمل لأن إنهاء ما عمر عليه الصلاة والسلام - ثلاث وستون سنة، وفي هذا القدر لا يعجز الرجل عن النهوض اللهم إلا إذا كان لعذر مرض أو جراحة ونحوهما، وفي (التوضيح): وحمل مالك هذا الحديث على حالة الضعف بعيد، وكذا قول من قال إن مالك بن الحويرث رجل من أهل البادية أقام عند رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عشرين ليلة، ولعله رآه فعل ذلك في صلاة واحدة لعذر فظن أنه من سنة الصلاة أبعد وأبعد لا يقال ذلك فيه.

                                                                                                                                                                                  وجلسة الاستراحة ثابتة في حديث أبي حميد الساعدي لا كما نفاها الطحاوي بل هي ثابتة في حديث المسيء في صلاته في البخاري انتهى، قلت: ما نفى الطحاوي إلا كونها سنة، وكيف وقد روى الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينهض في الصلاة معتمدا على صدور قدميه ؟ وقال الترمذي : هذا الحديث عليه العمل عند أهل العلم؛ فإن قلت: في سنده خالد بن إياس . وقيل خالد بن إياس ضعفه البخاري، والنسائي، وأحمد، وابن معين قلت: قال الترمذي : مع ضعفه يكتب حديثه، ويقويه ما روي عن الصحابة في ذلك على ما ذكرناه.

                                                                                                                                                                                  وفيه دليل على أنه يجوز للرجل أن يعلم غيره الصلاة والوضوء عملا وعيانا كما فعل جبريل عليه الصلاة والسلام بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن التعليم بالفعل أوضح من القول.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية