الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  539 41 - (حدثنا عبدان، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا يونس، عن الزهري، قال سالم: أخبرني عبد الله، قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة صلاة العشاء، وهي التي يدعو الناس العتمة، ثم انصرف، فأقبل علينا، فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، فإن فيه ذكر العشاء والعتمة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم ستة: الأول عبدان بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة، وهو لقب عبد الله بن عثمان المروزي. الثاني عبد الله بن المبارك. الثالث يونس بن يزيد الأيلي. الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . الخامس سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. السادس أبوه عبد الله بن عمر.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع، وفيه العنعنة في موضع، وفيه القول في أربعة مواضع، وفيه رواية الابن عن أبيه بذكر اسمه، وهو قوله: (قال سالم: أخبرني عبد الله) فإن سالما هو ابن عبد الله بن عمر، وشيخه هنا هو أبوه عبد الله بن عمر، وفيه أن رواته ما بين مروزي ومدني وأيلي، وفيه رواية التابعي عن التابعي، عن الصحابي.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) قد ذكرنا في كتاب العلم في باب السمر بالعلم أن البخاري أخرج هذا الحديث فيه، عن سعيد بن عفير، عن الليث، عن عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب هو الزهري، عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة أن عبد الله بن عمر قال: (صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر حياته، فلما سلم قال: أرأيتكم) الحديث، وأخرجه أيضا، عن أبي اليمان، عن شعيب عن الزهري، وأخرجه مسلم في الفضائل، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن شعيب به، وعن أبي رافع وعبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: (صلى لنا) ويروى (صلى بنا) ومعنى اللام صلى إماما لنا، وإلا فالصلاة لله لا لهم. قوله: (ليلة)؛ أي: في ليلة من الليالي. قوله: (وهي التي يدعو الناس العتمة)، وقد مر نظيره في حديث أبي برزة في قوله: (وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة) وهذا يدل على غلبة استعمالهم لها بهذا الاسم ممن لم يبلغهم النهي، وأما من عرف النهي [ ص: 62 ] عن ذلك يحتاج إلى ذكره لقصد التعريف. قوله: (ثم انصرف)؛ أي: من الصلاة. قوله: (أرأيتكم) بفتح الراء وتاء الخطاب، وقد استقصينا الكلام فيه في باب السمر بالعلم. قوله: (فإن رأس)، وفي رواية الأصيلي : فإن على رأس مائة سنة. قوله: (منها)؛ أي: من تلك الليلة. قوله: (لا يبقى) خبر إن، والتقدير: لا يبقى عنده أو فيه.

                                                                                                                                                                                  وقال النووي : المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل عمره بعد ذلك أو لا، وليس فيه نفي عيش أحد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: إنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هذه المدة تخترم الجيل الذين هم فيها، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة. وقيل: أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأرض البلدة التي هو فيها.

                                                                                                                                                                                  وقال تعالى: ألم تكن أرض الله واسعة يريد المدينة، وقوله: (ممن هو على وجه الأرض) احتراز عن الملائكة، وقد أمعنا الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) احتج به البخاري ومن قال بقوله على موت الخضر، والجمهور على خلافه.

                                                                                                                                                                                  وقال السهيلي، عن أبي عمر بن عبد البر: قد تواترت الأخبار باجتماع الخضر بسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا يرد قول من قال: لو كان حيا لاجتمع بنبينا - صلى الله عليه وسلم - وأيضا عدم إتيانه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس مؤثرا في الحياة ولا غيرها، لأنا عهدنا جماعة آمنوا به ولم يروه مع الإمكان، وزعم ابن عباس ووهب: أن الخضر كان نبيا مرسلا، وممن قال بنبوته أيضا مقاتل وإسماعيل بن أبي زياد الشامي. وقيل: كان وليا.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو الفرج: والصحيح أنه نبي، ولا يعترض على الحديث بعيسى؛ لأنه ليس على وجه الأرض ولا بالخضر؛ لأنه في البحر، ولا بهاروت وماروت لأنهما ليسا ببشر، وكذا الجواب في إبليس، ويقال: معنى الحديث: لا يبقى ممن ترونه وتعرفونه، فالحديث عام أريد به الخصوص، والجواب الأوجه في هذا أن نقول: إن المراد ممن هو على ظهر الأرض أمته، وكل من هو على ظهر الأرض أمته المسلمون أمة إجابة، والكفار أمة دعوة، وعيسى والخضر ليسا داخلين في الأمة، والشيطان ليس من بني آدم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية