الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2065 - (إن العبد إذا كان همه الآخرة كف الله تعالى عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه فلا يصبح إلا غنيا ولا يمسي إلا غنيا وإذا كان همه الدنيا أفشى الله عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه فلا يمسي إلا فقيرا ولا يصبح إلا فقيرا) (حم) في الزهد عن الحسن مرسلا (ض)

التالي السابق


(إن العبد إذا كان همه الآخرة) أي عزمه أي ما يقربه إليها (كف الله تعالى) أي جمع (عليه ضيعته) أي ما يكون منه معاشه كصنعة وتجارة وزراعة أو راد رد الله عليه ما ضاع له أي ما هو منزل منزلته (وجعل غناه في قلبه فلا يصبح إلا غنيا) بالله (ولا يمسي إلا غنيا) به لأن من جعل غناه في قلبه صارت همته للآخرة وأتاه ما قدر له من الدنيا في راحة من بدنه وفراغ من سره والصباح والمساء كناية عن الدوام والاستمرار (وإذا كان همه الدنيا أفشى الله) أي يكثر تعالى (عليه ضيعته) ليشتغل عن الآخرة فيصير قد تشعبت الهموم قلبه وتوزعت أفكاره فيبقى متحيرا ضائعا لا يدري ممن يطلب رزقه ولا ممن يلتمس رفقه فهمه شعاع وقلبه أوزاع (جعل فقره بين عينيه) يشاهده (فلا يمسي إلا فقيرا ولا يصبح إلا فقيرا) خص المساء والصباح لأنهما وقت الحاجة للتقوت غالبا وإلا فالمراد أن غناه يكون حاضرا أبدا وفقره كذلك والدنيا فقر كلها لأن حاجة الراغب فيها لا تنقضي فهي كداء الظمأ كلما زاد صاحبه شربا ازداد ظمأ فمن كانت الدنيا نصب عينيه صار الفقر بين عينيه وتفرق سره وتشتت أمره وتعب بدنه وشرهت نفسه وازدادت الدنيا منه بعدا وهو لها أشد طلبا فمن رأى نفسه مائلة إلى الآخرة فليشكر ربه على ذلك ويسأله الازدياد من توفيقه ومن وجد نفسه طامحة إلى الدنيا فليتب إلى الله ويستغيث به في إزالة الفقر من بين عينيه والحرص من قلبه والتعب من بدنه. قال ابن القيم: ولولا سكرة عشاق الدنيا لاستغاثوا من هذا العذاب على أن أكثرهم لا يزال يشكو ويصرخ منه ومن عذابهم اشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومجاذبة أهلها إياها ومقاساة معاداتهم ومن أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث هم لازم وتعب دائم وحسرة لا تنقضي

(حم) في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن الحسن مرسلا) وهو البصري.




الخدمات العلمية