الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1292 - (أفضل المؤمنين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل) (طب) عن ابن عمرو.. (صح)

التالي السابق


(أفضل المؤمنين) أي المسلمين لأنه الملائم لقوله الآتي أفضل المؤمنين إيمانا (إسلاما من سلم المسلمون) والمسلمات المعصومون وكذا من له ذمة أو عهد معتبر (من لسانه ويده) أي: من التعدي بأحدهما أي المسلم الممدوح المفضل على غيره من ضم إلى أداء حقوق الله حق المسلمين ولم يذكر الأول لفهمه بالأولى إذ من أحسن معاملة الناس أحسن معاملة ربه بالأولى فالمراد بمن سلم المسلمون منه من لم يؤذ مسلما بقول أو فعل وخص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها نحو البطش والقطع والأخذ والمنع والإعطاء أو لأن الإيذاء باليد واللسان أكثر وقوعا فاعتبر الغالب قال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملا كان يمكن فيه المباشرة باليد وقدم اللسان لأن إيذاءه أكثر وأسهل ولأنه أشد نكاية قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لحسان اهج المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل قال الشاعر:


جراحات السنان لها التئام . . . ولا يلتام ما جرح اللسان



قال البيضاوي: من لم يراع حكم الله في زمام المسلمين والكف عنهم لم يكمل إسلامه ولم تكن له جاذبة نفسانية إلى رعاية الحقوق وملازمة العدل فيما بينه وبين الناس فلعله لا يراعي ما بينه وبين الله فيخل بإيمانه وعلم ما تقرر أنه أراد باليد ما يشمل المعنوية كالاستعلاء وليس من الإيذاء إقامة حد وإجراء تعزير بل هو في الحقيقة إصلاح له وطلب للسلامة لهم ولو في الاستقبال واعلم أن الإسلام في الشرع يطلق على أمرين أحدهما دون الإيمان وهو الأعمال الظاهرة في قوله تعالى قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا والثاني فوقه وهو أن يكون مع الأعمال اعتقاد بالقلب مع الإخلاص والإحسان والاستسلام لله فيما قضى وقدر فالمراد بالأفضل هنا المستسلم للقضاء والقدر فكأنه قال من أسلم وجهه لله رضى بتقديره ولم يتعرض لأحد من المسلمين بإيذاء فهو أفضلهم (وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم ذكر حسن الخلق مع الإيمان لأن محاسن الأخلاق هي الأوصاف [ ص: 49 ] الباطنة والإيمان تصديق القلب وهو باطن فحصلت المناسبة كما حصلت في ذكر اليد واللسان مع الإسلام (وأفضل المهاجرين) من الهجر أي الترك وهو بمعنى المهاجر وإن كان لفظ المفاعلة يقتضي وقوع فعل من اثنين لكن المراد الواحد كالمسافر ويمكن كونه على بابه يتكلف (من هجر ما نهى الله عنه) أي: أفضل المهاجرين من جمع إلى هجر وطنه هجر ما حرم الله عليه والهجرة ظاهرة وباطنة فالباطنة ترك متابعة النفس الأمارة والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن (وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل) فإن مجاهدتها أفضل من جهاد الكفار والمنافقين والفجار لأن الشيء إنما يفضل ويشرف بشرف ثمرته وثمرة مجاهدة النفس الهداية والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وكفى به فضلا وقد أمر الله بمجاهدة النفس فقال وجاهدوا في الله حق جهاده فإذا التقى القلب والنفس للمحاربة هذا بجنود الله من العلم والعقل وهذه بجنود الشيطان من الهوى والشهوة والغضب فتشعبت هذه الأنوار فأشرقت واشتعل الهوى والشهوة والغضب فاضطربا وتحاربا فلذلك وقت يباهي الرب بعبده ملائكته والنصرة موضوعة في ملك المشيئة في حجاب القدرة فيعطي نصره مشيئته فيصل إليه في أسرع من لحظة فإذا رأى الهوى النصرة ذل وانهزم فانهزم العدو بجنوده وأقبل القلب بجمعه وجنوده على النفس حتى أسرها وحبسها في سجنه وجمع جنوده وفتح باب الخزائن ورزق جنده من المال وقعد في ملكه فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات

(طب) عن ابن عمرو) بن العاص وإسناده حسن ذكره الهيثمي وعمرو يكتب بالواو في الرفع والجر تمييزا بينه وبين عمر ولم يعكس لخفة عمرو بثلاثة أشياء فتح أوله وسكون ثانيه وصرفه وأما في النصب فالتمييز بالألف.




الخدمات العلمية