الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1650 - (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب) (حم) (د) (ت) (ك) عن معاوية بن حيدة (هـ) عن أبي هريرة (صح) (ح)

التالي السابق


(أمك) قال ابن السيد: سميت أما لأنها أصل الولد وأم كل شيء أصله كما قالوا لمكة أم القرى (ثم أمك ثم أمك) بنصب الميم في الثلاثة أي قدمها في البر يا من جئتنا تسأل عمن تبر أولا. قال الزين العراقي : هذا هو المعروف في الرواية فهو من قبيل ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ويجوز الرفع هنا كما قرئ به ثم لكن يرجح النصب قوله الآتي ثم أباك إلا أن يقال إنه جاء على لغة القصر انتهى. والخطاب وإن كان لواحد لكنه عام وكرره للتأكيد أو إشعارا بأن لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لما تكابده وتعانيه من المشاق والمتاعب في الحمل والفصال في تلك المدة المتطاولة فهو [ ص: 196 ] إيجاب للتوصية بالوالدة خصوصا وتذكير لحقها العظيم مفردا إذ لها من الحقوق ما لا يقام به كيف وبطنها له وعاء وحجرها له حواء وثديها له سقاء (ثم) قدم (أباك) فهو بعد الأم وقوله ثم أباك قال في الرياض: نصب بفعل محذوف أي ثم بر أباك قال في رواية ثم أبوك قال: وهذا واضح وقد حكى في الرعاية الإجماع على تقديمها عليه قال ابن بطال: وهذا إذا طلبا فعلا في وقت واحد ولم يمكن الجمع وإلا وجب لأن فضل النصرة أهم ما يجب رعايته بعد فضل التربية (ثم) بعد الأب وأبيه إن علا قدم (الأقرب) منك (فالأقرب) فتقدم الأب فالأولاد فالإخوة والأخوات فالمحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات قال الزين العراقي : وجاء في حديث بعد الأب ثم أختك وأخاك وهل يؤخذ من تقديمه الأخت رجحان حقها في الصلة على الأخ كما ذكر في الأم أو هما سواء وإنما قدمها لمناسبة قوله أمك ثم أباك كل محتمل والأول أقرب وأراد بالبر ترك العقوق وكما أن العقوق له مراتب فالبر كذلك انتهى. ويؤخذ مما تقرر أن الكلام في غير النفقة أما هي فيقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأم ثم الأب .

(تنبيه): من كلامهم الأب أعرف وأشرف والأم أرحم وأرأف قال في شرح النوابغ: وحكمة كون الأم أشفق على الولد من الأب أن خروج ماء المرأة من قدامها من بين ثدييها قريبا من القلب وموضع المحبة القلب والأب خروج مائه من وراء الظهر قال الإمام المرغيناني: وإنما نسب الولد إلى الأب مع أنه خلق من مائهما لأن ماء الأم يخلق منه الحسن والجمال والسمن والهزال وهذه الأشياء لا تدوم بل تزول وماء الرجل منه العظم والعصب والعروق ونحوها وهي لا تزول في عمره فلذلك نسب إليه دونها. وقال الحكيم: إنما صيرنا الحكم للأب لأن أصل الجسد من مائه لأن العظم والعصب والعروق منه ومن الأم اللحم والدم والشعر والجلد ونحوها والعظم نحوه إذا ذهب ذهب الجسد واللحم كسوة قال تعالى فكسونا العظام لحما فلذلك العصوبة والولاية له دونها

(حم) (ت) (د) كلهم (عن معاوية بن حيدة ) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة ابن معاوية القشيري جد بهز بن حكيم . قال الترمذي: حسن صحيح.

(هـ عن أبي هريرة) قال: قلت يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة فذكره وهو في مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك.




الخدمات العلمية