( ويجوز عقلا ) ; لأنه ليس بمحال ، ولا يلزم منه محال ، وهذا على الصحيح ومنعه بعضهم لعدم الفائدة ، ورد بأن فائدته إحياؤها ولعل فيه مصلحة ( ولم يكن نبينا ) تعبد نبي بشريعة نبي قبله محمد صلى الله عليه وسلم ( قبل البعثة على ما كان عليه قومه ) عند أئمة الإسلام . كما تواتر عنه ، قال الإمام رضي الله تعالى عنه : من زعمه فقول سوء . انتهى . قال في نهاية المبتدئين : ولم يكن على دين قومه قبل البعثة ، بل ولد مسلما مؤمنا . قاله أحمد وقيل : بل على دين قومه ، حكاه ابن عقيل ابن حامد عن بعضهم ، وهو غريب بعيد . انتهى . قال في شرح التحرير : قلت الذي يقطع به : أن هذا القول خطأ . قال : لم يكن قبل البعثة على دين سوى الإسلام ، ولا كان على دين قومه قط . بل ولد مؤمنا نبيا صالحا على ما كتبه الله تعالى وعلمه من حاله وخاتمته لا بدايته ( بل كان متعبدا صلى الله عليه وسلم بشرع من كان قبله مطلقا ) أي من غير تعيين أحد منهم بعينه ، وهذا الصحيح من المذهب ، اختاره الأكثر من أصحابنا ، وأومأ إليه ابن عقيل وذكره أحمد عن الشافعية ; لأن كل واحد من النبيين قبله دعا إلى شرعه كل المكلفين ، والنبي صلى الله عليه وسلم واحد منهم فتناوله عموم الدعوة ، وقيل : بل بشرع معين منهم فقيل : القاضي آدم أو نوح أو إبراهيم ، اختاره ابن عقيل والمجد والبغوي وابن كثير وجمع ، أو موسى أو عيسى . ومنعه الحنفية والمالكية والباقلاني ، وذكر بعض أصحابنا عن الأكثر : كونه متعبدا قبل البعثة بشرع مطلقا ; لاستحالته عقلا عند وأبو الحسين المعتزلة ; لما فيه من التنفير عنه ، وشرعا عند الباقلاني والرازي والآمدي إذ لو كان لنقل ، ولتداولته الألسنة .
[ ص: 592 ] واستدل من قال : إنه كان متعبدا بشريعة من قبله : بما في عن مسلم رضي الله تعالى عنها { عائشة } وفي أنه كان يتحنث - أي يتعبد - في غار حراء أيضا { البخاري } رد بأن معناه : التفكر والاعتبار ، ولم يثبت عنه عبادة صوم ونحوه ، ثم فعله من قبل نفسه تشبها بالأنبياء . رد بالمنع ( وتعبده ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( أيضا به ) أي بشرع من قبله ( بعدها ) أي بعد البعثة على الصحيح ( ف ) على هذا ( هو ) أي كان يتحنث بغار حراء ( شرع لنا ما لم ينسخ ) عند أكثر العلماء ( ومعناه في قول : أنه موافق ، لا متابع ) قال شرع من قبلنا : من حيث صار شرعا لنبينا ، لا من حيث صار شرعا لمن قبله قال القاضي البرماوي : على معنى أنه موافق لا متابع وذكر أيضا القاضي وأبو محمد البغدادي : أنه شرع لم ينسخ ، فيعمنا لفظا ، وقال الشيخ تقي الدين : عقلا ، لتساوي الأحكام ، وهو الاعتبار المذكور في قصصهم فيعمنا حكما .
( ويعتبر في قول ) للقاضي وغيرهما ( ثبوته قطعا ) قال وابن عقيل : وإنما يثبت كونه شرعا لهم [ بدليل ] مقطوع به : إما بكتاب ، أو بخبر الصادق ، أو بنقل متواتر . فأما الرجوع إليهم ، أو إلى كتبهم : فلا ، وقد أومأ القاضي إلى هذا ، ومعناه أحمد لابن حمدان . فقال : كان هو وأمته متعبدين بشرع من تقدم بالوحي إليه في الكل أو البعض ، لا من كتبهم المبدلة ، ونقل أربابها ، ما لم ينسخ وقال الشيخ تقي الدين وغيره : ويثبت أيضا بأخبار الآحاد عن نبينا صلى الله عليه وسلم . وقيل : نقل عن نفي التعبد قبل البعثة ، وكون أحمد شرعا لنا ، ووجه القول الأول : قوله تعالى { شرع من قبلنا فبهداهم اقتده } رد ، أراد الهدى المشترك ، وهو التوحيد لاختلاف شرائعهم ، والعقل هاد إليه ، ثم أمر باتباعه بأمر مجدد لا بالاقتداء . أجيب : الشريعة من الهدى ، وقد أمر بالاقتداء ، وإنما يعمل بالناسخ ، كشريعة واحدة ، قال مجاهد " أأسجد ؟ في ص ؟ فقرأ هذه الآية ، وقال : نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدي بهم " رواه لابن عباس . البخاري
وأيضا قوله تعالى { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } رد ، أراد التوحيد ; لأن الفروع ليست ملة ولهذا لم يبحث عنها [ ص: 593 ]
أجيب : الفروع من الملة تبعا ، كملة نبينا ; لأنها دينه عند عامة المفسرين . قال : هو الظاهر . وذكره ابن الجوزي عن الأصوليين . وقد أمرنا باتباعها مطلقا ، وكذا قوله تعالى { البغوي شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } وفي صحيح من حديث مسلم أنس رضي الله تعالى عنهما { وأبي هريرة وأقم الصلاة لذكري } وهو خطاب لموسى عليه الصلاة والسلام } . وسياقه وظاهره : أنه احتج به ; لأن أمته أمرت من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال : { موسى . واستدل بتعبده به قبل بعثته ، والأصل بقاؤه وبالاتفاق على الاستدلال بقوله سبحانه وتعالى { النفس بالنفس } وبرجوعه صلى الله عليه وسلم إلى التوراة في الرجم .