الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                ما ثبت في الذمة بالإعسار ، وما لا يثبت قال في شرح المهذب : الحقوق المالية الواجبة لله تعالى ثلاثة أضرب . ضرب يجب ، لا بسبب مباشرة من العبد : كزكاة الفطر ، فإذا عجز عنه وقت الوجوب : لم يثبت في ذمته ، فلو أيسر بعد ذلك ، لم يجب . وضرب : يجب بسبب من جهته ، على جهة البدل . كجزاء الصيد ، وفدية الحلق ، والطيب ، واللباس في الحج ، فإذا عجز عنه وقت وجوبه وجب في ذمته ، تغليبا لمعنى الغرامة ; لأنه إتلاف محض . وضرب : يجب بسبب مباشرة .

                لا على جهة البدل ، ككفارة الجماع في رمضان ، وكفارة اليمين ، والظهار ، والقتل ، ودم التمتع ، والقران ، والنذر ، وكفارة قوله " أنت علي حرام " ففيها قولان مشهوران .

                أصحهما : يثبت في الذمة ، فمتى قدر عليه : لزمه .

                والثاني : لا ، وتشبيهها بجزاء الصيد أولى من الفطرة ; لأن الكفارة مؤاخذة على فعله ، كجزاء الصيد ، بخلاف الفطرة . انتهى قلت : ولو لزمت الفدية الشيخ الهرم عن الصوم ، وكان معسرا ، ففي الروضة وأصلها : قولان في ثبوتها في ذمته ، كالكفارة .

                قال في شرح المهذب : وينبغي أن يكون الأصح هنا : أنها تسقط . ولا تلزمه إذا أيسر كالفطرة لأنه عاجز حال التكليف بالفدية وليست في مقابلة جناية بخلاف الكفارة . فالأقسام على هذا أربعة . وفي الجواهر للقمولي : لو نذر الصدقة كل يوم بكذا . فمرت أيام وهو معسر . ثبتت في ذمته ، ولو ماتت زوجته وهو غائب ، فجهزت من مالها . لم يثبت في ذمة الزوج . أفتى به القاضي جلال الدين البلقيني .

                [ ص: 335 ] تذنيب :

                من الغريب قول القاضي حسين : إن الطلاق يثبت في الذمة . قال السبكي : حكيت مرة لابن الرفعة ، فقال : عمري ما سمعت ثبوت طلاق في الذمة . قال : ولا شك أن ابن الرفعة سمعه ، وكتبه مرات . لكنه لغرابته ونكارته ، لم يبق على ذهنه . ويتفرع على ذلك فروع ما يقدم على الدين ، وما يؤخر عنه قال في الروضة وأصلها في الأيمان : إذا وفت التركة بحقوق الله ، وحقوق الآدميين قضيت جميعا .

                وإن لم تف ، وتعلق بعضها بالعين ، وبعضها بالذمة : قدم المتعلق بالعين سواء اجتمع النوعان ، أو انفرد أحدهما . وإن اجتمعا ، وتعلق الجميع بالعين ، أو الذمة فهل يقدم حق الله تعالى ، أو الآدمي ، أو يستويان ؟ فيه أقوال . أظهرها : الأول . ولا تجري هذه الأقوال في المحجور عليه بفلس ، إذا اجتمع النوعان . بل تقدم حقوق الآدمي ، وتؤخر حقوق الله تعالى ما دام حيا ا هـ .

                ومن أمثلة ما تجري فيه الأقوال . اجتماع الدين مع الزكاة ، أو الفطرة ، أو الكفارة ، أو النذر ، أو جزاء الصيد ، أو الحج . كما صرح به في شرح المهذب والأصح في الكل : تقديمها على الدين ، وكذا : سراية العتق ، مع الدين . وصححا في اجتماع الجزية ، مع الدين : التسوية ; لأنها في معنى الأجرة . فالتحقت بدين الآدمي .

                ومن اجتماع حقوق الله تعالى فقط الزكاة . والكفارة . والحج قال السبكي : والوجه أن يقال : إن كان النصاب موجودا قدمت الزكاة ، وإلا فيستويان .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية