الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة الثالثة

                        للقول بمفهوم المخالفة شروط

                        ( الأول ) : أن لا يعارضه ما هو أرجح منه ، من منطوق أو مفهوم موافقة ، وأما إذا عارضه قياس فلم يجوز القاضي أبو بكر الباقلاني ترك المفهوم به ، مع تجويزه ترك العموم بالقياس ، كذا قال .

                        ولا شك أن القياس المعمول به يخصص عموم المفهوم ، كما يخصص عموم المنطوق ، وإذا تعارضا على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، وكان كل واحد منهما معمولا به ، فالمجتهد لا يخفى عليه الراجح منهما من المرجوح ، وذلك يختلف باختلاف المقامات ، وبما يصاحب كل واحد منهما من القرائن المقوية له .

                        قال شارح اللمع : دليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه ، كالنص والتنبيه ، فإن عارضه أحدهما سقط ، وإن عارضه عموم صح التعلق بعموم دليل الخطاب على الأصح ، وإن عارضه قياس جلي ، قدم القياس ، وأما الخفي ; فإن جعلناه حجة كالنطق ; قدم دليل الخطاب ، وإن جعلناه كالقياس ; فقد رأيت بعض أصحابنا يقدمون كثيرا القياس في كتب الخلاف ، والذي يقتضيه المذهب أنهما يتعارضان .

                        ( الشرط الثاني ) : أن لا يكون المذكور قصد به الامتنان ، كقوله تعالى : لتأكلوا منه لحما طريا فإنه لا يدل على منع أكل ما ليس بطري .

                        ( الشرط الثالث ) : أن لا يكون المنطوق خرج جوابا عن سؤال متعلق بحكم خاص ، ولا حادثة خاصة بالمذكور . هكذا قيل ، ولا وجه لذلك ، فإنه لا اعتبار بخصوص السبب ، ولا بخصوص السؤال .

                        وقد حكى القاضي أبو يعلى في ذلك احتمالين ، قال الزركشي : ولعل الفرق - يعني بين عموم اللفظ وعموم المفهوم - أن دلالة المفهوم ضعيفة تسقط بأدنى قرينة بخلاف اللفظ العام .

                        [ ص: 525 ] ( قلت ) : وهذا فرق قوي ، لكنه إنما يتم في المفاهيم التي دلالتها ضعيفة ، أما المفاهيم التي دلالتها قوية قوة تلحقها بالدلالات اللفظية فلا .

                        قال ومن أمثلته قوله تعالى : لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة فلا مفهوم للأضعاف ; لأنه جاء على النهي عما كانوا يتعاطونه بسبب الآجال ، كان الواحد منهم إذا حل دينه يقول : إما أن تعطي ، وإما أن تربي ، فيتضاعف بذلك أصل دينه مرارا كثيرة ، فنزلت الآية على ذلك .

                        ( الشرط الرابع ) : أن لا يكون المذكور قصد به التفخيم ، وتأكيد الحال ، كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تحد الحديث ، فإن التقييد " بالإيمان " لا مفهوم له ، وإنما ذكر لتفخيم الأمر .

                        ( الشرط الخامس ) : أن يذكر مستقلا ، فلو ذكر على وجه التبعية لشيء آخر ; فلا مفهوم له كقوله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد فإن قوله تعالى : في المساجد لا مفهوم له ; لأن المعتكف ممنوع من المباشرة مطلقا .

                        ( الشرط السادس ) : أن لا يظهر من السياق قصد التعميم ، فإن ظهر فلا مفهوم له ، كقوله تعالى : والله على كل شيء قدير ; للعلم بأن الله سبحانه قادر على المعدوم ، والممكن ، وليس بشيء فإن المقصود بقوله تعالى : على كل شيء التعميم .

                        ( الشرط السابع ) : أن لا يعود على أصله الذي هو المنطوق بالإبطال ، أما لو كانت كذلك فلا يعمل به .

                        ( الشرط الثامن ) : أن لا يكون قد خرج مخرج الأغلب كقوله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم فإن الغالب كون الربائب في الحجور ، فقيد به لذلك ، لا لأن حكم اللاتي لسن في الحجور بخلافه ، ونحو ذلك كثير في الكتاب والسنة .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية