الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6072 24 - حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأنه صلى الله عليه وسلم أشار بهذا المثل إلى ذم الحرص على الدنيا والشره والازدياد ، وهذه آفة يجب الاتقاء منها ، وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل البصري ، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وعطاء هو ابن أبي رباح يروي بالسماع عن ابن عباس يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بسماعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهي قليلة بالنسبة إلى مرويه عنه ، فإنه أحد المكثرين ، ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لو كان لابن آدم واديان " وفي الحديث الذي يليه : لو كان لابن آدم مثل واد مالا ، وفي الحديث الآخر : لو أن ابن آدم أعطي واديا ، وفي الآخر : [ ص: 46 ] لو أن لابن آدم واديان .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من مال " وفي الحديث الثالث : ملأ من ذهب ، وفي الحديث الرابع : واديا من ذهب ، وعند أحمد في حديث زيد بن أرقم " من ذهب وفضة " .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لابتغى " بالغين المعجمة من الابتغاء وهو الطلب ، وفي الحديث الثاني : " لأحب أن له إليه مثله " ، وفي حديث أنس " لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية " ، وفي الحديث الثالث : " أحب إليه ثانيا " وفي الرابع : " أحب إليه أن يكون له واديا " ، وقال الكرماني : في قوله : " لابتغى لهما ثالثا ، فزاد لفظة لهما في شرحه ، ثم قال : فإن قلت : الابتغاء لا يستعمل باللام .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا متعلق بقوله : ثالثا أي : ثالثا لهما أي : مثلثهما . انتهى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ولا يملأ جوف ابن آدم " وفي الحديث الثاني : " ولا يملأ عين ابن آدم " وفي الثالث : " ولا يسد جوف ابن آدم " وفي الرابع : " ولن يملأ فاه " وفي رواية الإسماعيلي عن ابن جريج : لا يملأ نفس ابن آدم ، وفي مرسل جبير بن يغير : ولا يشبع جوف ابن آدم بضم الياء من الإشباع ، وفي حديث زيد بن أرقم " ولا يملأ بطن ابن آدم " .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : ما وجه ذكره في الرواية الأولى الجوف وفي الثانية العين وفي الثالثة الفم ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : ليس المقصود منه الحقيقة بقرينة عدم الانحصار على التراب إذ غيره يملؤه أيضا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال : لا يشبع من الدنيا حتى يموت ، فالغرض من العبارات كلها واحد ليس فيها إلا التفنن في الكلام ، وقال بعضهم : هذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث ، وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة . انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : إحالته على كلام الشارع أولى من إحالته إلى تصرف الرواة مع أن فيه تغيير لفظ الشارع .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : نسبة الامتلاء إلى الجوف والبطن واضحة ، فما وجهها إلى النفس والفم والعين ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : أما النفس فعبر بها عن الذات وأراد البطن من قبيل إطلاق الكل وإرادة الجزء ، وأما الفم فلكونه الطريق إلى الوصول إلى الجوف ، وأما العين فلأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه ، وخص البطن في أكثر الروايات لأن أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات .

                                                                                                                                                                                  وأكثرها تكرار للأكل والشرب ، وقال الطيبي : وقع قوله : " ولا يملأ . . . إلى آخره " موقع التذييل والتقرير للكلام السابق كأنه قيل : ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ويتوب الله على من تاب " أي : من المعصية ، ورجع عنها يعني : يوفقه للتوبة ، أو يرجع عليه من التشديد إلى التخفيف أو يرجع عليه بقبوله .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية