الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فلما ذهب عن إبراهيم الروع يعني: الفزع، و (الروع) ؛ بضم الراء: النفس، سميت بذلك؛ لأنها موضع الروع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط : [الجواب محذوف؛ والمعنى: أخذ يجادلنا في قوم لوط].

                                                                                                                                                                                                                                      قال حذيفة: كانت مجادلته الملائكة أن قال لهم: أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين؛ أتهلكونهم؟ فقالوا: لا، قال: فإن كان فيهم أربعون؟ [ ص: 425 ] قالوا: لا، حتى بلغ معهم إلى خمسة.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: كانت المجادلة قوله: قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته [العنكبوت: 32].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: جادلهم ليعلم بأي شيء استحقوا العذاب؟ وهل هو نازل بهم أم هو تخويف؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم أي: ساءه مجيئهم، والضمير في {بهم} لـ (الرسل) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وضاق بهم ذرعا أي: ضاق ذرعه بهم، وهو مشتق من (الذراع) ؛ لأن فيه القوة، فكل من لم يستطع القيام بشيء قيل: (ضاق به ذرعا) ، وإنما ضاق ذرعه بهم؛ لما رآه من جمالهم، وما يعلمه من فسق قومه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال هذا يوم عصيب أي: شديد في الشر.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءه قومه يهرعون إليه أي: يسرعون، عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قبل كانوا يعملون السيئات يعني: إتيان الذكران.

                                                                                                                                                                                                                                      قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم : قال قتادة: يعني: بنات صلبه؛ والمعنى: تزوجوهن.

                                                                                                                                                                                                                                      قيل: بعد أن تسلموا، وقيل: كان تزويج الكافر المؤمنة حلالا في شريعتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 426 ] مجاهد: يعني: بــ(بناته) : نساء أمته؛ والمعنى: أيضا: تزوجوهن.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق أي: ما لنا بهن من حاجة، وقيل: المعنى: ما هن لنا بأزواج.

                                                                                                                                                                                                                                      وجواب {لو} في قوله: لو أن لي بكم قوة محذوف؛ والمعنى: لو أن لي بكم قوة؛ لحلت بينكم وبينهم، أو آوي إلى ركن شديد أي: إلى عشيرة، عن مجاهد، فأخبرته الملائكة حينئذ أنهم رسل الله، وقالوا له: فأسر بأهلك بقطع من الليل و (الإسراء) : سير الليل؛ يقال: (أسرى) و (سرى) .

                                                                                                                                                                                                                                      و (القطع من الليل) : القطعة منه، وكذلك قال ابن عباس: بطائفة من الليل، وقيل: هو نصف الليل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا امرأتك المعنى: فأسر بأهلك إلا امرأتك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يلتفت منكم أحد : [المعنى: لا يلتفت منكم أحد] إلى ما خلف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد: لا ينظر أحد منكم وراءه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أليس الصبح بقريب : قيل: إن لوطا استبطأ هلاكهم، فقيل له: إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: جعلنا عاليها سافلها أي: قلبت، حسب ما تقدم ذكره في غير هذا الموضع.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 427 ] وقوله: وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود : قال ابن عباس، وغيره: حجارة صلبة، قتادة: من طين.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: من السماء الدنيا، وهي تسمى (سجيلا) .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: (السجيل) : الشديد، فهو ههنا: الشديد من الحجارة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو من (أسجلته) ؛ إذا أعطيته العطية، [فكأنه عذاب أعطوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أرسل عليهم كما ترسل السجل؛ وهي الدلو؛ يقال أسجلته]؛ إذا أرسلته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو من السجل الذي هو الكتاب؛ فكأن المعنى: مما كتب عليهم أن يصيبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى {سجيل} : سجين؛ فأبدلت اللام من النون، واختلف في {سجين} [المطففين: 7]؛ فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الفلق: جب في جهنم مغطى، وأما سجين؛ فمفتوح"؛ [يعني: أنه جب مفتوح في جهنم].

                                                                                                                                                                                                                                      وقال كعب الأحبار في {سجين} : إنها الأرض السابعة، تحتها أرواح الكفار، تحت خد إبليس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 428 ] وعن كعب أيضا: إن (سجينا) صخرة سوداء تحت الأرضين السبع، مكتوب فيها اسم كل شيطان، تلقى أنفس الكفار عندها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة: (هو فعيل) من (السجن) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنها الصخرة التي تحت الأرض السفلى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قيل أيضا: إن أصل (سجين) : (سجيل) ، والنون بدل من اللام.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى: {منضود} : قد نضد بعضه فوق بعض، قال الربيع بن أنس: حتى صار حجرا واحدا.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: {منضود} : مصفوف في تتابع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنها أرسلت منضودة، وقيل: المعنى: أنها في السماء منضودة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مسومة عند ربك أي: معلمة، وقيل: مرسلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: عند ربك دليل على أنها ليست من حجارة الدنيا، قاله الحسن وقال كعب: كانت معلمة ببياض وحمرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كان عليها مثل الخواتيم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وما هي من الظالمين ببعيد : قيل: المعنى: ما الحجارة من ظالمي قومك -يا محمد- ببعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ما هذه القرى من الظالمين ببعيد؛ وهي بين الشام والمدينة، [ ص: 429 ] وجاء {ببعيد} مذكرا؛ على معنى: بمكان بعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنها كانت أربع قرى، أهلكت كلها، وقيل: كانت خمسا، أهلكت منها أربع، وبقيت واحدة تسمى (زعر) لآل لوط.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإلى مدين أخاهم شعيبا أي: وأرسلنا إلى مدين.

                                                                                                                                                                                                                                      إني أراكم بخير أي: برخص في أسعاركم، عن ابن عباس، والحسن، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إني أراكم أغنياء في أموالكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: بقيت الله خير لكم : قال ابن عباس: أي: رزق الله.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: طاعة الله.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: حظكم من الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ما أبقى الله لكم من الحلال بعد توفية الناس حقوقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أنا عليكم بحفيظ أي: رقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أي: أدعواتك تأمرك؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أمساجدك؟ وقيل: أقراءتك؟ وقيل: إنهم يعنون الصلاة بعينها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء : قال ابن زيد: كانوا يقطعون [ ص: 430 ] الدنانير والدراهم، ويجورونها بوازنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إذا تراضينا بالبخس؛ فلم تمنعنا منه؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنك لأنت الحليم الرشيد يعنون: عند نفسك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: قالوا له ذلك على وجه السخرية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو تعريض أرادوا به السب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إنك لأنت الحليم الرشيد؛ فلم تأمرنا بهذا؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ورزقني منه رزقا حسنا أي: حلالا، وقيل: يعني: ما وفق له من الطاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وجواب الشرط محذوف؛ والمعنى: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي؛ أأتبع الضلال؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إن كنت على بينة من ربي؛ أفلا أنهاكم عن الضلال؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إن كنت على بينة من ربي؛ أتأمروني بالعصيان؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما أريد أن أخالفكم أي: لست أنهاكم عن شيء وأركبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أي: لا تحملنكم عدواتي على فعل ما يصيبكم من أجله العذاب، قاله الحسن: وقتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم معنى {يجرمنكم} في (المائدة) [2].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وما قوم لوط منكم ببعيد يعني: أنه أقرب الإهلاك إليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 431 ] وقوله: وإنا لنراك فينا ضعيفا : قيل: إنه كان مصابا ببصره، [قاله ابن جبير، وقتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كان ضعيف البصر، قاله الثوري.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: معناه: مهين]، وقيل: المعنى: ضعيف البدن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولولا رهطك لرجمناك : (رهط الرجل) : عشيرته الذين يستند إليهم، ويتقوى بهم، ومنه: (الراهطاء) لجحر اليربوع؛ لأنه يتوثق به، ويخبأ فيه ولده.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {لرجمناك} : لقتلناك بالرجم، وكان رهطه من أهل ملتهم، وقيل: معنى {لرجمناك} : لشتمناك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله أي: أمراعاة رهطي أعز عليكم من مراعاة أمر الله.

                                                                                                                                                                                                                                      واتخذتموه وراءكم ظهريا أي: اتخذتم ما جئتكم به من أمر الله ظهريا؛ أي: جعلتموه وراء ظهوركم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخذت الذين ظلموا الصيحة : روي: أن جبريل عليه السلام صاح بهم، فماتوا أجمعين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود أي: أبعدهم الله من رحمته كما أبعد ثمود.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية