الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: طوبى لهم : أبو هريرة: {طوبى} شجرة في {الجنة}، وقاله ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: فرح تقر به أعينهم، وعنه أيضا: أن {طوبى} الجنة، وعنه أيضا: أرض الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: غبطة لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 580 ] عكرمة: نعم ما لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      النخعي: كرامة لهم من الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي (فعلى) من (الطيب) ؛ والمعنى: العيش الطيب لهم، وأصلها (طيبى)، فلما كانت اسما غير صفة؛ ردت إلى (فعلى).

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن {طوبى} شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها، غرسها الرحمن بيده، ونفخ فيها من روحه، تنبت الحلي والحلل، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم أي: أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء من قبلك، قاله الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: شبه الإنعام على من أرسل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بالإنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى : الجواب محذوف؛ أي: لكان هذا القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 581 ] الفراء: يجوز أن يكون الجواب: لو فعل لهم هذا لكفروا بالرحمن، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال؛ أي: يكفرون به ولو رأوا ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الضحاك: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: سير لنا الجبال كما سيرت لداود، وقطع لنا الأرض، وكلم لنا الموتى كما فعل عيسى؛ فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزل قوله: وهم يكفرون بالرحمن في أبي جهل بن هشام، لعنه الله، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا الله، يا رحمن"، فقال: محمد ينهانا أن نعبد الآلهة، وهو يدعو إلهين؛ فنزلت الآية، ونزلت: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [الإسراء: 110].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا : قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: معنى {ييأس}: يعلم، وأنشد في ذلك أبو عبيدة: [من الطويل]


                                                                                                                                                                                                                                      أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيئسوا أني ابن فارس زهدم

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 582 ] فالمعنى على هذا: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو من اليأس؛ فالمعنى: أفلم ييئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار؛ لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم؛ لهداهم؛ لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات؛ طمعا في إيمان الكفار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة : قال ابن عباس: يعني السرايا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ما يقرعهم من البلاء، والشدة، والجدب، والقتل.

                                                                                                                                                                                                                                      أو تحل قريبا من دارهم أي: أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم؛ فالمعنى: تبعث سرية، أو تحل بنفسك.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: المعنى: أو تحل القارعة قريبا من دارهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حتى يأتي وعد الله يعني: فتح مكة.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: يعني يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت : هو الله عز وجل؛ فالمعنى: أنه حافظ لا يغفل، والجواب محذوف، والمعنى: أفمن هو حافظ لا يغفل كمن يغفل؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد بذلك: الملائكة الموكلون ببني آدم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 583 ] وقوله: قل سموهم أي: سموهم بخلق خلقوه، أو فعل فعلوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أي: هو يعلم أن لا إله فيها غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      أم بظاهر من القول أي: أم بظن من القول، عن مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أم بظاهر من القول الذي أنزله الله عز وجل على أنبيائه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بل زين للذين كفروا مكرهم أي: ليس لله شريك، لكن زين للذين كفروا مكرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      لهم عذاب في الحياة الدنيا أي: بالسيف يوم بدر، والأسر، والنفخة الأولى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار : قال الخليل: أي: صفة الجنة؛ كقولك: (صفة فلان: أسمر).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: التقدير: صفة الجنة التي وعد المتقون صفة جنة تجري من تحتها الأنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: مثل الله عز وجل لنا ما غاب بما نراه؛ والمعنى: مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من تحتها الأنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: (المثل) مقحم؛ والمعنى: الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 584 ] سيبويه: التقدير: وفيما يقص عليكم مثل الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أكلها دائم أي: مأكولها؛ وهو ثمرها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن: المعنى: ثمارها لا تنقطع.

                                                                                                                                                                                                                                      {وظلها} أي: ظلها ثابت لا يتغير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك : قال قتادة: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، يفرحون بنزول القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هم المؤمنون من أهل الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هم جماعة أهل الكتاب، يفرحون بنزول القرآن؛ لتصديقه كتبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن الأحزاب من ينكر بعضه : قال الحسن، ومجاهد، وقتادة: {الأحزاب}: اليهود، والنصارى، والمجوس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هم العرب المتحزبون على النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وكذلك أنـزلناه حكما عربيا أي: كما أنزلنا عليك الكتاب، فأنكره بعض الأحزاب؛ كذلك أنزلناه حكما عربيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية : أعلم الله تعالى أن الأنبياء كانوا بشرا ينكحون ويتناسلون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله يعني: من الآيات المقترحة، وظاهر الكلام حظر، ومعناه: النفي؛ لأنه لا يحظر على أحد ما لا يقدر عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 585 ] وقوله لكل أجل كتاب أي: لكل أمر قضاه الله كتاب عند الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: فيه تقديم وتأخير؛ المعنى: لكل كتاب أجل، قاله الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لكل مدة كتاب مكتوب، وأمر مقدر، لا تقف عليه الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب : قال ابن عباس، وقتادة، وغيرهما: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، وجملة الناسخ والمنسوخ عنده في أم الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: يحكم الله أمر السنة في رمضان، فيمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء، إلا الحياة والموت، والشقاء والسعادة.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو صالح، عن ابن عباس: المعنى: يمحو الله مما تكتب الحفظة ما ليس للإنسان ولا عليه، ويثبت ما له وما عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: أنهما كتابان؛ كتاب يمحو منه ما يشاء، وكتاب يثبت فيه ما يشاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وعنده أم الكتاب : لا يتغير منه شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وغيرهما: يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما يشاء.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: يمحو من جاء أجله، ويثبت من لم يأت أجله إلى أجله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 586 ] و أم الكتاب : اللوح المحفوظ، قال قتادة: هو جملة الكتاب وأصله.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في معنى وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها : قال مجاهد، وقتادة: هو ما يغلب عليه المسلمون مما في أيدي المشركين، وروي ذلك عن ابن عباس، وعنه أيضا: هو خراب الأرض، حتى يكون العمران في ناحية منها، وعنه أيضا وعن مجاهد: هو موت العلماء وخيار أهلها، وقاله ابن عمر، وهذا معروف في اللغة: أن (الطرف): الكريم من كل شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد به: هلاك من هلك من الأمم قبل قريش، وهلاك أرضهم بعدهم؛ والمعنى: أولم تر قريش هلاك من قبلهم، وخراب أرضهم بعدهم؟ أفلا يخافون أن يحل بهم مثل ذلك؟ روي ذلك أيضا عن ابن عباس، ومجاهد، وابن جريج.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: أنه نقص بركات الأرض، وثمارها، وأهلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: والله يحكم لا معقب لحكمه أي: ليس يتعقب حكمه أحد بنقص ولا تغيير.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 587 ] وقوله تعالى: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب : قال ابن عباس، وقتادة: يعني: من آمن من أهل الكتاب، قال قتادة: منهم عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الداري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد: هو الله عز وجل، وعنه أيضا: عبد الله بن سلام.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية