الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب :

                                                                                                                                                                                                                                      قراءة من قرأ : {إن هذين لساحران} ظاهرة .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : إن هذان ؛ بتخفيف {إن} ؛ فمذهب سيبويه : أنها {إن} المخففة من الثقيلة ، وما بعدها مرفوع بالابتداء ، رجع ما بعدها إلى أصله حين انتقض بناؤها ، ودخول اللام في خبر المبتدأ كقوله : [من الرجز ] .


                                                                                                                                                                                                                                      أم الحليس لعجوز شهربه


                                                                                                                                                                                                                                      ترضى من الشاة بعظم الرقبه

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر : [من الكامل ]

                                                                                                                                                                                                                                      خالي لأنت ومن جرير خاله     ينل السماء ويكرم الأخوالا

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز على مذهب الزجاج أن يكون التقدير : إن هذان لهما ساحران ، [ ص: 331 ] وأنكره أبو علي ، وأبو الفتح ، قال أبو الفتح : (هما ) المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف ، وإذا كان معروفا ؛ فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام ، ويقبح أن يحذف المؤكد ، ويترك المؤكد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب الكوفيين : أن {إن} بمعنى : (ما ) ، واللام بمعنى (إلا ) ؛ والتقدير : ما هذان إلا ساحران .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {إن هذان} ؛ جاز أن يكون على لغة بلحارث بن كعب ؛ فإنهم يثنون بالألف على كل حال ؛ فيقولون : (ضربت الزيدان ) ، و (مررت بالزيدان ) ، و (جاءني الزيدان ) ، حكاه أبو زيد ، والأخفش ، والكسائي ، والفراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وحكى أبو الخطاب : أنها لغة لبني كنانة ، وحكى غيره : أنها لغة لخثعم ، [ ص: 332 ] ومثله قول الشاعر : [من الطويل ]

                                                                                                                                                                                                                                      تزود منا بين أذناه ضربة      .....................



                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون {إن} بمعنى : (نعم ) ، وما بعدها مرفوع بالابتداء .

                                                                                                                                                                                                                                      والقول في دخول اللام في {لساحران} على ما تقدم ؛ ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن الحمد لله نستعينه " ، ومثله قول الشاعر : [من البسيط ] .


                                                                                                                                                                                                                                      قالوا غدرت فقلت إن وربما     نال العلا وشفى الغليل الغادر

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر أنشده ثعلب : [من الخفيف ]

                                                                                                                                                                                                                                      ليت شعري هل للمحب شفاء     من جوى حبهن إن اللقاء

                                                                                                                                                                                                                                      وسأل إسماعيل القاضي ابن كيسان عن هذه المسألة ، فقال : لما لم يظهر في المبهم إعراب في الواحد ، ولا في الجميع ؛ جرت التثنية على ذلك ، فجرت مجرى الواحد ؛ إذ التثنية يجب ألا تغير ، فقال له إسماعيل : ما أحسن هذا ! لو تقدمك أحد [ ص: 333 ] بالقول فيه حتى يؤنس به ، فقال له ابن كيسان : فليقل القاضي ؛ حتى يؤنس به ، فتبسم .

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : الألف في هذا دعامة ، ليست بلام الفعل ، فزدت عليها نونا ولم أغيرها ؛ كما زدت على الياء من (الذي ) ؛ فقلت : (الذين ) في كل حال .

                                                                                                                                                                                                                                      بعض الكوفيين : الألف في {هذان} مشبهة بألف (يفعلان ) ، فلم تغير ؛ كما لم تغير .

                                                                                                                                                                                                                                      الجرجاني : لما كان (ذا ) اسما على حرفين أحدهما حرف مد ولين ، وهو كالحركة ، ووجب حذف إحدى الألفين في التثنية ؛ لم يحسن حذف الأولى ؛ لئلا يبقى الاسم على حرف ، فحذف علم التثنية ، وكانت النون تدل على التثنية ، فهي عوض منها ، تقوم مقامها في الدلالة على التثنية ، ولم يكن لتغيير الألف الأصلية وجه ؛ فثبتت في كل حال ؛ كما تثبت في الواحد .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي : كون {إن} الناصبة للاسم أشبه بما قيل وما بعد ؛ فقبله قوله : {فتنازعوا أمرهم ؛ فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون ؛ هل هما ساحران [ ص: 334 ] على ما ظنوا ؟ وبعده : يريدان أن يخرجاكم ؛ فهذا يؤكد أنها الناصبة للاسم ، مع ما في دخول اللام في الخبر من البعد إذا جعل ابتداء وخبرا ، قال : ومن زعم أن الألف في {هذان} هي الألف في (هذا ) ؛ فليس بمستقيم ، ولو كانت كذلك ؛ لم تنقلب ياء في قولك : (هذين ) ، فانقلابها يدل على أنها ألف تثنية ، ويدل على أن ألف (هذا ) محذوفة ، وأن الألف للتثنية : قولهم في تثنية (الذي ) : (اللذان ) ؛ وكما حذفت الياء ؛ كذلك حذفت الألف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما أنهما قالا : (إن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها ) ؛ فحمل بعض الناس قوله : {إن هذان} وشبهه على هذا [ ص: 335 ] الخبر ، وأباه بعضهم ، وتأولوه ؛ في نحو زيادة الألف في : لإلى الله تحشرون [آل عمران : 158 ] ، ولأوضعوا خلالكم [التوبة : 47 ] ، وشبه ذلك ، وقد ذكرته في خط المصحف في "الكبير " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية