الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إن زلزلة الساعة شيء عظيم : قال علقمة، والشعبي: (الزلزلة) : من أشراط الساعة، وهي في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أنس بن مالك، والحسن البصري: هو في القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت : الضمير المنصوب في {ترونها} : لـ (الزلزلة) ، أو لـ (القيامة) ، وذكر (المرضعة) يدل على أنه في الدنيا; لأن القيامة لا رضاع فيها، ولا حمل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 427 ] وقوله: وترى الناس سكارى يعني: من الخوف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم : هو النضر بن الحارث، قاله ابن جريج، ومعنى {يجادل} : يخاصم في أن الله لا يقدر على بعث الموتى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله أي: كتب ذلك على الشيطان، [و(الهاء) في {عليه} و {فأنه} : له، وفي {يضله} : لمتوليه]; والمعنى: كتب على الشيطان أنه يضل من اتبعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآية: أي: إن شككتم في البعث; فتدبروا أول خلقكم، وتقدم القول في الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لنبين لكم : هذا جواب للقصة كلها; والمعنى: أخبرناكم بتصرف أحوال خلقكم لنبين لكم، [والوقف ههنا حسن، ثم يستأنف]: ونقر في الأرحام ما نشاء ; [على معنى: ونحن نقر; والمعنى: نقر في الأرحام ما نشاء] إلى أجل مسمى; يعني: أجل الولادة; فلا يسقط.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم نخرجكم طفلا أي: أطفالا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 428 ] ثم لتبلغوا أشدكم أي نعمركم لتبلغوا أشدكم; يعني: كمال العقول.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: التقدير: ثم نخرجكم طفلا; لتبلغوا أشدكم]; فـ {ثم} على هذا: زائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنكم من يتوفى أي: قبل بلوغ الأشد، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر أي: يهرم، قال علي رضي الله عنه: أرذل العمر : خمس وسبعون سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم ذكر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وترى الأرض هامدة : هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو اعتبار لأمته; ومعنى {هامدة} : غبراء متهشمة، عن قتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإذا أنـزلنا عليها الماء اهتزت وربت أي: تحركت وارتفعت، وقيل: التقدير: ربت واهتزت; لأن الواو لا توجب الترتيب; فـ (المهتز) على هذا: الزرع، وأخبر عن الأرض; إذ هو فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنبتت من كل زوج بهيج أي: حسن، عن قتادة; أي: يبهج من رآه، و(الزوج) : الصنف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ذلك بأن الله هو الحق أي: الأمر ذلك; أي: الأمر ما وصف لكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنه يحيي الموتى أي: يحييهم كما أحيا الأرض بعد موتها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم إلى قوله: ثاني عطفه :

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد، وقتادة: المعنى: لاويا عنقه كفرا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 429 ] ابن عباس: معرضا عما يدعى إليه كفرا.

                                                                                                                                                                                                                                      المبرد: (العطف) : ما انثنى من العنق.

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك بما قدمت يداك أي: يقال له: ذلك العذاب بما قدمت يداك، وأن الله أي: وبأن الله ليس بظلام للعبيد ، فلا يوقف على هذا التقدير على {يداك} ، ويجوز أن يكون التقدير: والأمر أن الله، فيوقف على {يداك} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن الناس من يعبد الله على حرف أي: على شك، عن مجاهد، وحقيقته: أنه ضعف في عبادته; كضعف القيام على حرف جرف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإن أصابه خير اطمأن به وإن أي: رخاء وعافية، عن مجاهد، قال: أصابته فتنة أي: بلاء ومصيبة; انقلب على وجهه أي: ارتد كافرا.

                                                                                                                                                                                                                                      ونزلت هذه الآية في قوم من الأعراب، كانوا يقدمون على النبي صلى الله عليه وسلم، فيسلمون، فإن نالوا رخاء; أقاموا، وإن نالتهم شدة; ارتدوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، وقيل: في شيبة بن ربيعة، كان أسلم، ثم ارتد، وقال ابن زيد وغيره: نزلت في المنافقين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 430 ] وقوله: يدعو لمن ضره أقرب من نفعه : اللام- في قول الكسائي- مقدمة في غير موضعها، و(من) : في موضع نصب، و {ضره} : مبتدأ، و {أقرب} : خبره; والتقدير: يدعو من لضره أقرب من نفعه.

                                                                                                                                                                                                                                      الأخفش: {يدعوا} بمعنى: (يقول) ، و(من) : مبتدأة، و {ضره} : مبتدأ، و {أقرب} : خبره، والجملة صلة (من) ، وخبر (من) محذوف; والتقدير: يقول: لمن ضره أقرب من نفعه إلهه، ومثله قول عنترة: [من الكامل]

                                                                                                                                                                                                                                      يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: يجوز أن يكون {يدعوا} في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة; والتقدير: ذلك هو الضلال البعيد في [حال] دعائه إياه، فيوقف على هذا على {يدعوا} ، قال: ويجوز أن يكون {ذلك} بمعنى: (الذي) ; أي: الذي هو [ ص: 431 ] الضلال البعيد يدعو; كما قال: وما تلك بيمينك يا موسى [طه: 17].

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: يجوز أن يكون {يدعوا} مكررة على ما قبلها، قال: ويجوز (لمن ضره) ; بكسر اللام; أي: يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لبئس المولى ولبئس العشير : قيل: {المولى} : ابن العم، وقيل: الناصر، و {العشير} : الصاحب، والخليل، مجاهد: يعني: الوثن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ : قال ابن عباس: المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم; فليمدد بحبل إلى سقف بيته، ثم ليختنق، قال: ومعنى {ينصره} : يرزقه.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: أن (الهاء) تعود على {من} ; والمعنى: من كان يظن أن الله لا يرزقه; فليختنق، فيقتل نفسه; إذ لا خير في حياة تخلو من عون الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ معناه: ثم ليختنق، فلينظر هل يذهبن اختناقه غيظه؟ وقال ابن زيد: المعنى: فليقطع ذلك من أصله; أي: ليقطع نصر محمدـ صلى الله عليه وسلم ـ من حيث يأتيه، فأصله في السماء، فليمدد بسبب إلى السماء، ثم يقطع الوحي; فلينظر هل يذهب فعله ما يجد في نفسه من الغيظ في نصر الله ـ عز وجل ـ محمدا صلى الله عليه وسلم؟ وقيل: إن (الهاء) تعود على (الدين) ; والمعنى: من كان يظن أن لن ينصره الله دينه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 432 ] وقوله: ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض : تقدم معنى سجود الجماد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب أي: وكثير من الناس يسجد، وكثير يأبى السجود.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وكثير من الناس في الجنة، وكثير في العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذان خصمان اختصموا في ربهم : قال أبو ذر: يعني: الفريقين من المؤمنين والكافرين يوم بدر.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: يعني: الجنة والنار، اختصمتا، فقالت النار: خلقني لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني لرحمته.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: نزلت هذه الآيات الثلاث على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة، في ثلاثة نفر مؤمنين، وثلاثة كافرين، فـ (المؤمنون) : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، رضي الله عنهم، و(الكافرون) : عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، دعا [ ص: 433 ] الكافرون المؤمنين للبراز، فنزلت الآية فيهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أنس بن مالك: نزلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار أي: من نحاس، عن ابن جبير، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      يصب من فوق رءوسهم الحميم يعني: الماء المغلي.

                                                                                                                                                                                                                                      يصهر به ما في بطونهم والجلود أي: يذاب، قال ابن جبير: حتى يمشوا في أمعائهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولهم مقامع من حديد أي: عذاب مقامع من حديد يضربون بها، قال ابن جبير: حتى يسقط كل عضو على حياله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها : روي: أن جهنم تجيش بأهلها، فتلقيهم إلى أعلى أبوابها، فيريدون الخروج، فيعيدهم الخزان فيها بالمقامع، ويقولون لهم: وذوقوا عذاب الحريق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله ـ تعالى ـ في وصف أهل الجنة: وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد : قيل: إن ذلك في الدنيا، هدوا إلى قول: لا إله إلا الله، وغيرها من ذكر الله، والثناء الطيب عليه، قال ابن زيد، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن ذلك في الآخرة، و الطيب من القول : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [فاطر: 34]، و الحمد لله الذي صدقنا وعده [الزمر: 74]، وشبهه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 434 ] وقيل: الطيب من القول : تحية الملائكة، والبشارات التي تأتيهم من عند الله، و صراط الحميد على هذا القول: الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله : قيل: إن خبر {إن} محذوف; والتقدير: إن الذين كفروا خسروا، أو هلكوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الواو في {ويصدون} : مقحمة.

                                                                                                                                                                                                                                      والمسجد الحرام أي: ويصدون عن المسجد الحرام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: سواء العاكف فيه والباد يعني: أهل مكة وغيرهم، وقد تقدم مذاهب العلماء فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أن العاكف فيه والبادي في إقامة المناسك سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم القول في: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ، والباء في {بإلحاد} زائدة; والمعنى: ومن يرد فيه إلحادا بظلم، قاله الأخفش، وأنكره المبرد، وقال: قوله: {يرد} يدل على الإرادة; والمعنى: ومن إرادته بأن يلحد [ ص: 435 ] فيه بظلم; نذقه من عذاب أليم.

                                                                                                                                                                                                                                      الكوفيون: دخلت الباء; لأن المعنى: بأن يلحد، والباء مع (أن) تدخل وتحذف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت : دخلت اللام في {لإبراهيم} ; لأنه بمعنى: جعلنا مكان البيت لإبراهيم مبوأ; أي: منزلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي محمولة على معنى المصدر متعلقة به; والمعنى: واذكر تبويئنا لإبراهيم مكان البيت.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: اللام زائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر : قال مجاهد : أمر الله ـ تعالى ـ إبراهيم بأن يقول: يا أيها الناس; أجيبوا ربكم، فوقرت في قلب كل مؤمن، فأجاب من قدر له الحج بـ (لبيك) .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال: أي رب; وأين يبلغ صوتي؟ فقال: أذن وعلي [ ص: 436 ] البلاغ، فنادى: يا أيها الناس; كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق; فسمعه من بين السماء والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: {رجالا} : مشاة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى كل ضامر أي: وعلى كل جمل ضامر; وهو المهزول الذي أضمره بعد المسافة.

                                                                                                                                                                                                                                      يأتين من كل فج عميق : محمول على معنى الجمع; كأنه قال: وعلى إبل ضامرة يأتين من كل فج عميق; أي: من كل طريق بعيد، عن مجاهد، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      و(العمق) في اللغة: البعد، معروف.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء في الخبر: أن إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ حجا ماشيين، وأن آدم ـ عليه السلام ـ حج على قدميه أربعين حجة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أن لا تشرك بي شيئا : إلى ههنا كله خطاب لإبراهيم عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن خطاب إبراهيم من قوله: أن لا تشرك بي شيئا إلى: والركع السجود ، وقوله: وأذن في الناس بالحج : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم; أي: أعلمهم بفرضه عليهم، وقيل: أعلمهم أنك تحج حجة الوداع.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 437 ] وقيل: إن الجميع خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فالوقف - على هذا القول- على مكان البيت كاف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وليطوفوا بالبيت العتيق : روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "سمي البيت العتيق; لأن الله ـ تعالى ـ أعتقه من الجبابرة، فلم يغلب عليه جبار قط".

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: سمي العتيق; لقدمه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير: لأنه أعتق من الغرق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية