الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1510 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن طليق بن قيس عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر هداي إلي وانصرني على من بغى علي اللهم اجعلني لك شاكرا لك ذاكرا لك راهبا لك مطواعا إليك مخبتا أو منيبا رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال سمعت عمرو بن مرة بإسناده ومعناه قال ويسر الهدى إلي ولم يقل هداي

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( يدعو رب أعني ) : أي وفقني لذكرك وشكرك وحسن عبادتك ( ولا تعن علي ) : أي لا تغلب علي من يمنعني من طاعتك من شياطين الإنس والجن ( وانصرني ولا تنصر علي ) : أي أغلبني على الكفار ولا تغلبهم علي أو انصرني على نفسي فإنها أعدى أعدائي ولا تنصر النفس الأمارة علي بأن أتبع الهوى وأترك الهدى ( وامكر لي ولا تمكر [ ص: 276 ] علي ) : قال الطيبي : المكر الخداع وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون ، وقيل استدراج العبد بالطاعة فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة .

                                                                      وقال ابن الملك : المكر الحيلة والفكر في دفع عدو بحيث لا يشعر به العدو ، فالمعنى اللهم اهدني إلى طريق دفع أعدائي عني ولا تهد عدوي إلى طريق دفعه إياي عن نفسي ( واهدني ) : أي دلني على الخيرات أو على عيوب نفسه ( ويسر هداي إلي ) : أي سهل اتباع الهداية أو طرق الدلالة لي حتى لا أستثقل الطاعة ولا أشتغل عن العبادة ( وانصرني ) : أي بالخصوص ( على من بغى علي ) : أي ظلمني وتعدى علي ، وهذا تخصيص لقوله وانصرني في الأول ( لك شاكرا ) : قدم المتعلق للاهتمام والاختصاص أو لتحقيق مقام الإخلاص أي على النعماء والآلاء ( لك ذاكرا ) : في الأوقات والآناء ( لك راهبا ) : أي خائفا في السراء والضراء . وقال ابن حجر : أي منقطعا عن الخلق ( لك مطواعا ) : بكسر الميم مفعال للمبالغة أي كثير الطوع وهو الانقياد والطاعة ، وفي رواية ابن أبي شيبة مطيعا أي منقادا ( إليك مخبتا ) قال السيوطي : هو من الإخبات وهو الخشوع والتواضع . انتهى .

                                                                      وفي المرقاة أي خاضعا خاشعا متواضعا من الخبت وهو المطمئن من الأرض ، يقال أخبت الرجل إذا نزل الخبت ، ثم استعمل الخبت استعمال اللين والتواضع . قال تعالى وأخبتوا إلى ربهم أي اطمأنوا إلى ذكره ( أو منيبا ) : شك للراوي قال في النهاية : الإنابة الرجوع إلى الله بالتوبة يقال أناب إذا أقبل ورجع أي إليك راجعا ( رب تقبل توبتي ) : بجعلها صحيحة بشرائطها واستجماع آدابها فإنها لا تتخلف عن حيز القبول . قال تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( واغسل حوبتي ) : بفتح الحاء ويضم أي امح ذنبي ، والحوب بالضم مصدر والحاب الإثم سمي بذلك لكونه مزجورا عنه ، الحوب في الأصل لزجر الإبل ، وذكر المصدر دون الإثم وهو إذ الحوب ، لأن الاستبراء من فعل الذنب أبلغ منه من نفس الذنب ( وأجب دعوتي ) : أي دعائي ، وأما قول ابن حجر المكي ذكر لأنه من فوائد قبول التوبة ، فموهم أنه لا تجاب دعوة غير التائب وليس الأمر كذلك لما صح من أن دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ، وفي رواية ولو كان كافرا ( وثبت حجتي ) : أي على أعدائك في الدنيا والعقبى ( واهد قلبي ) : أي إلى [ ص: 277 ] معرفة ربي ( وسدد ) : أي صوب وقوم ( لساني ) : حتى لا ينطق إلا بالصدق ولا يتكلم إلا بالحق ( واسلل ) : بضم اللام الأولى أي أخرج ( سخيمة قلبي ) : أي غشه وغله وحقده وحسده ونحوها مما ينشأ من الصدر ويسكن في القلب من مساوئ الأخلاق قاله علي القاري قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي حسن صحيح .




                                                                      الخدمات العلمية