الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1217 حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثنا ابن وهب عن الليث قال قال ربيعة يعني كتب إليه حدثني عبد الله بن دينار قال غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر فسرنا فلما رأيناه قد أمسى قلنا الصلاة فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعا ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتي هذه يقول يجمع بينهما بعد ليل قال أبو داود رواه عاصم بن محمد عن أخيه عن سالم ورواه ابن أبي نجيح عن إسمعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غيوب الشفق

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( قال ) : أي الليث ( قال ربيعة يعني كتب ) : ربيعة ( إليه ) إلى الليث ( حدثني ) : القائل حدثني هو ربيعة والمعنى الليث بن سعد يروي عن ربيعة مكاتبة ويروي ربيعة عن عبد الله بن دينار ( حتى غاب الشفق ) : قال ابن الأثير : الشفق من الأضداد يقع على الحمرة التي ترى في المغرب بعد مغيب الشمس وبه أخذ الشافعي ، وعلى البياض الباقي في الأفق الغربي بعد الحمرة المذكورة وبه أخذ أبو حنيفة انتهى ( وتصوبت النجوم ) : أي اجتمعت ( ثم إنه ) : أي عبد الله بن عمر ( ثم قال ) : ابن عمر ( إذا جد به السير ) : أي اشتد قاله صاحب المحكم وقال عياض جد به السير أي أسرع .

                                                                      كذا قال وكأنه نسب الإسراع إلى السير توسعا كذا في الفتح . وقال ابن الأثير أي إذا اهتم به وأسرع فيه يقال جد يجد ويجد بالضم والكسر وجد به الأمر وجد فيه إذا اجتهد انتهى . ولفظ الموطأ إذا عجله السير . وفي رواية للبخاري إذا أعجله السير . وتعلق به من اشترط في الجمع الجد في السير ، ورده الحافظ بن عبد البر بأنه إنما حكى الحال التي رأى ولم يقل لا يجمع إلا أن يجد به فلا يعارض حديث معاذ قبله . وفي هذا الحديث دليل واضح على أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غروب الشفق وهذا هو الصحيح المشهور من فعله . ( رواه عاصم بن محمد عن أخيه ) : عمر بن محمد ( عن سالم ) : وهذا التعليق وصله الدارقطني بإسناده إلى عاصم بن محمد عن أخيه عمر بن محمد عن نافع وعن سالم قال أتى عبد الله بن عمر خبر من صفية فأسرع السير ثم ذكر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحوه وقال بعد أن [ ص: 63 ] غاب الشفق ( ورواه ابن أبي نجيح ) : هو عبد الله ( عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب ) : أو ابن أبي ذؤيب الأسدي المدني وهذا التعليق وصله الطحاوي من طريق ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن أبي ذؤيب قال كنت مع ابن عمر فيه فسار حتى ذهبت فحمة العشاء ورأينا بياض الأفق فنزل فصلى ثلاثا المغرب واثنين العشاء الحديث ( أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غيوب الشفق ) : الجمع من ابن عمر بعد غيوب الشفق هو الصحيح المشهور من فعله ، وهكذا رواه عن عبد الله بن عمر خمسة من حفاظ أصحابه كأسلم مولى عمر وحديثه عند البخاري في الجهاد من طريق أسلم عن ابن عمر في هذه القصة حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما ، وكعبد الله بن دينار وتقدم حديثه ، وكإسماعيل بن أبي ذؤيب وتقدم حديثه أيضا وكسالم بن عبد الله المدني وتقدم حديثه أيضا ، ولفظ البخاري من طريق الزهري عن سالم عن نافع وفيه . " فقلت له الصلاة فقال سر حتى صار ميلين أو ثلاثة ثم نزل فصلى " الحديث ، وكنافع مولى ابن عمر ، وأما عبد الله بن واقد فخالفهم والعدد الكثير أولى بالحفظ ، وعبد الله بن واقد مقبول وهؤلاء ثقات أثبات فلا يعتبر بروايته مع وجود رواية هؤلاء الحفاظ . لكن اختلف على نافع فروى من حفاظ أصحاب نافع عنه أن نزوله كان بعد غيوب الشفق كعبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم أن ابن عمر جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق ، وكالليث عنه عند الطحاوي ولفظه فسار حتى هم الشفق أن يغيب وأصحابه ينادونه للصلاة ، فأبى عليهم حتى إذا أكثروا عليه قال إني رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجمع بين هاتين الصلاتين وأنا أجمع بينهما ، وكأيوب وموسى بن عقبة عن نافع فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنهما ، ورواية أيوب عند الطحاوي ورواية موسى بن عقبة عند الدارقطني أيضا ، وروى يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال : " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء إلى ربع الليل " .

                                                                      وأما فضيل بن غزوان من أصحاب نافع فروى عنه أن نزوله كان قبل غيوب الشفق فصلى المغرب ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء . وهذه الجملة قد تفرد بها فضيل بين ثقات أصحاب نافع ما قالها أحد غيره . وفضيل وإن كان ثقة لكن لا شك أنه دون عبيد الله بن عمر في الحفظ والإتقان والثبات حتى قدمه أحمد بن صالح على مالك في [ ص: 64 ] نافع ، وأنه دون أيوب السختياني فإن أيوب ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد ، ودون موسى بن عقبة فإنه ثقة فقيه إمام في المغازي ، ودون الليث بن سعد فإنه ثقة ثبت فقيه إمام مشهور ، فحديث فضيل شاذ لا يقبل .

                                                                      وأما ابن جابر عن نافع فقال حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم العشاء . وأما عبد الله بن العلاء عن نافع فقال حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما وتقدم حديثهما . وأما عطاف بن خالد المخزومي عن نافع فقال حتى إذا كاد الشفق أن يغيب نزل فصلى المغرب وغاب الشفق فصلى العشاء وحديثه عند الطحاوي والدارقطني . وأما أسامة بن زيد عنه فقال حتى إذا كان عند غيبوبة الشفق نزل فجمع بينهما أخرجه الطحاوي . فابن جابر وعبد الله بن العلاء وإن كانا ثقتين لكن لا يساويان الحفاظ الأربعة المذكورة من أصحاب نافع . وعطاف صدوق يهم وأسامة ضعيف . وعلى أن ليس في حديث ابن جابر وعبد الله بن العلاء أن ابن عمر صلى المغرب قبل غيوب الشفق ، وإنما في حديثهما أنه نزل عند غيبوبة الشفق وثبت في روايات الحفاظ الأربعة من أصحاب نافع وكذا في رواية أسلم وعبد الله بن دينار وإسماعيل بن أبي ذؤيب من أجلاء حفاظ أصحاب ابن عمر أنه صلى المغرب بعد غيوب الشفق ، بل في رواية سالم أن ابن عمر سار بعد غيوب الشمس ميلين أو ثلاثة أميال ثم نزل فصلى ، فروايات هؤلاء الثقات الأثبات مقدمة عند التعارض ومفسرة لإبهام رواية غيرهم انتهى مختصرا من غاية المقصود .




                                                                      الخدمات العلمية