الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4401 [ 2297 ] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها؛ التفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني إنما خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله - تعجبا وفزعا - أبقرة تكلم؟ ! ". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن به وأبو بكر وعمر". فقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا راع في غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب، فقال له: من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري؟ ". فقال الناس: سبحان الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر".

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 245 -246)، والبخاري (3471)، ومسلم (2388).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و ( قول البقرة للذي حمل عليها: " إني لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث ") دليل: على أن البقرة لا يحمل عليها ولا تركب، وإنما هي للحرث، وللأكل، والنسل، والرسل. وفيه ما يدل على وقوع خرق العوائد، على جهة الكرامة، أو [ ص: 246 ] على جهة التنبيه لمن أراد الله به الاستقامة، وفيه ما يدل على علم النبي صلى الله عليه وسلم بصحة إيمان أبي بكر وعمر ، ويقينهما، وأنه كان ينزلهما منزلة نفسه، ويقطع على يقينهما، وهذه خصوصية عظيمة، ودرجة رفيعة.

                                                                                              و ( قول الذئب: " من لها يوم السبع ") الرواية الصحيحة التي قرأناها وقيدناها على مشايخنا بضم الباء لا غير، ومعناه مفسر بباقي الحديث، إذ قال فيه: " يوم ليس لها راع غيري " فإنه أبدل " يوم ليس لها راع " من " يوم السبع " وكأنه قال: من يستنقذ هذه الشاة يوم ينفرد السبع بها، ولا يكون معها راع، ولا يمنعها منه؟ ! وكأنه - والله أعلم - يشير إلى نحو مما تقدم في الحج من حديث أبي هريرة مرفوعا. قال: " يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي - يريد السباع والطير -، ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ، فينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشا، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما ". فحاصل هذا: أن أهل المدينة ينجلون عنها، فلا يبقى فيها إلا السباع، ويهلك من حولها من الرعاة فتبقى الغنم متوحشة منفردة، فتأكل الذئاب ما شاءت، وتترك ما شاءت، وهذا لم يسمع [ ص: 247 ] أنه وقع، ولا بد من وقوعه.

                                                                                              وقد قيده بعض اللغويين بسكون الباء، وليست برواية صحيحة، ولكن اختلف في معنى ذلك على أقوال يطول ذكرها، ولا معنى لأكثرها، وأشبه ما قيل في ذلك، ما حكاه الحربي : أن سكون الباء لغة فيه، وقرأ الحسن : (وما أكل السبع) بسكونها.




                                                                                              الخدمات العلمية