الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4441 [ 2326 ] وعن عروة بن الزبير قال: قالت لي عائشة : كان أبوك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.

                                                                                              رواه البخاري (4077)، ومسلم (2418) (52).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قول عائشة لعروة : " كان أبوك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ") استجابوا: أجابوا، والسين والتاء: زائدتان، كما قال الشاعر:


                                                                                              وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب

                                                                                              أي: لم يجبه. والقرح: الجراح. وإشارة عائشة رضي الله عنها إلى ما جرى في غزوة حمراء الأسد وهو موضع على نحو ثمانية أميال من المدينة ، وكان من حديثها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى المدينة من أحد بمن بقي من أصحابه، وأكثرهم جريح، وقد بلغ منهم الجهد، والمشقة نهايته، أمرهم بالخروج في أثر العدو مرهبا لهم، وقال: " لا يخرجن إلا من كان شهد أحدا " فخرجوا على ما بهم من الضعف [ ص: 292 ] والجراح، وربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشي، ولا يجد مركوبا، فربما يحمل على الأعناق، كل ذلك امتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبة في الجهاد والشهادة حتى وصلوا إلى حمراء الأسد ، فلقيهم نعيم بن مسعود ، فأخبرهم: أن أبا سفيان بن حرب ، ومن معه من قريش قد جمعوا جموعهم، وأجمعوا رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة ، فيستأصلوا أهلها، فقالوا ما أخبرنا الله به عنهم: حسبنا الله ونعم الوكيل [آل عمران: 173] وبينا قريش قد أجمعوا على ذلك، إذ جاءهم معبد الخزاعي ، وكانت خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وعيبة نصحه، وكان قد رأى حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما هم عليه، ولما رأى عزم قريش على الرجوع، واستئصال أهل المدينة حمله خوف ذلك، وخالص نصحه للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على أن خوف قريشا بأن قال لهم: إني قد تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد في جيش عظيم، قد اجتمع له كل من تخلف عنه، وهم قد تحرقوا عليكم، وكأنهم قد أدركوكم، فالنجاء النجاء، وأنشدهم شعرا، يعظم فيه جيش محمد صلى الله عليه وسلم ويكثرهم، وهو مذكور في كتب السير، فقذف الله في قلوبهم الرعب، ورجعوا إلى مكة مسرعين خائفين، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه إلى المدينة مأجورا منصورا، كما قال تعالى: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم [آل عمران: 174]، وقوله تعالى: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم [آل عمران: 173] يعني به نعيم بن مسعود الذي خوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: إن الناس قد جمعوا لكم... يعني به: قريشا .




                                                                                              الخدمات العلمية