الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      ويتفرع على اشتراط العدالة مسائل . أحدها : عدم قبول خبر الفاسق . والفسق نوعان : أحدهما : من حيث الأفعال ، فلا خلاف في رده . الثاني : من جهة الاعتقاد كالمبتدعة ، وفيه خلاف . وحكى مسلم في صحيحه الإجماع على رد خبر الفاسق . قال : إنه غير مقبول عند أهل العلم ، كما أن شهادته مردودة ، عند جميعهم ، وذكر إمام الحرمين أن الحنفية [ ص: 157 ] وإن باحوا بقبول شهادة الفاسق ، فلم يبوحوا بقبول روايته ، فإن قال به قائل فهو مسبوق بالإجماع . وللمقدم على الفسق أحوال : أحدها : أن يعلم حرمة ما أقدم عليه ، والإجماع على رده ، كذا قال في " المحصول " وغيره ، ويتجه تقييده بالمقطوع بكونه فسقا ، أما المظنون فيشبه تخريج خلاف فيه ، إذ حكوا وجها فيمن شرب النبيذ وهو يعتقد تحريمه أن شهادته لا ترد ، والرواية ملحقة بالشهادة فيما يرجع إلى العدالة .

                                                      الثاني : أن يقدم على الفسق معتقدا جوازه لشبهة أو تقليد فأقوال : ثالثها : الفرق بين المظنون والمقطوع ، وهو ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه ، فإنه قال في المظنونات : أقبل شهادة الحنفي إذا شرب النبيذ وأحده ، وقال في القطعيات : أقبل شهادة أهل البدع والأهواء إلا الخطابية من الرافضة ; لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم ، وحكي في " المحصول " الاتفاق في المظنون على القبول . قال الهندي : والأظهر ثبوت الخلاف فيه كما في الشهادة ، وهذا من الشافعي في المقطوع به إذا لم ير صاحبه جواز الكذب ، والأكثرون قبلوا روايته ، وهو اختيار الغزالي ، والإمام الرازي وأبي الحسين البصري ، وقال ابن الصباغ في " العدة " : إذا كان فسقه من جهة الاعتقاد لم يرد خبره ، وقد قبل التابعون أخبار الخوارج ، وقال الشافعي : لا أرد شهادة أهل الأهواء . [ ص: 158 ] واختار القاضي أبو بكر ، والجبائي ، وأبو هاشم عدم القبول ، وقد نازع في كونه صورة النبيذ ونحوها من الفسق المظنون طائفتان ، فطائفة قالت : ليس هو من الفسق أصلا ، لأنه مجتهد فيه . والمسائل الاجتهادية لا إنكار فيها على المخالف ، ولا فسق ; لأن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد لا نعلمه ولا إثم على المخطئ ، وإلى هذا جنح العبدري في " شرح المستصفى " . وطائفة قالت : بل هو من المقطوع به ; لأن الحد إنما يصح مع التفسيق ، والفسق رد الشهادة ، ولهذا قال مالك : أحده ، ولا أقبل شهادته ، وإلى هذا جنح ابن الحاجب والقرافي ، وجعل ذلك من الشافعي تناقضا ، لكن الشافعي حقق اختلاف الجهتين ، فقال : الحد للزجر ، فلم يراع فيه مذهب الشارب للنبيذ ، والشهادة ترد للكبيرة ، وهذا يتأول فيمن شرب معتقدا إباحة فعذر بتأويله . الثالث : أن يقدم غير معتقد بحل ولا حرمة ، عالما بالخلاف في إباحته وحظره ، فيحد . وفي فسقه ورد شهادته وجهان ، حكاهما الماوردي ، ولا يبعد تخريجهما في الرواية . أحدهما : أنه فاسق مردود الشهادة ، لأن ترك الإرشاد في الشبهات تهاون . والثاني لا يفسق ، لأن اعتقاد الإباحة أغلظ من التعاطي ، ولا يفسق معتقد الإباحة .

                                                      الثانية : من ظهر عناده فيما ذهب إليه ، لا تقبل روايته ; لأنه كذب مع علمه به . الثالثة : إذا ثبت أن عدالة الراوي شرط فله ثلاثة أحوال . لأنه إما أن يعلم عدالته ، ولا إشكال في قبوله ، وإما أن يعلم جرحه ، فلا إشكال في رده ، وإما أن يجهل حاله .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية