الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      المرتبة الرابعة : أن يبني الصيغة للمفعول فيقول : أمرنا بكذا ، أو نهينا عن كذا ، فهذا يتطرق إليه من الاحتمالات ما يتطرق ل " قال " ، و " أمر " ، ويزيد أن يكون الآمر والناهي بعض الخلفاء أو الأمراء ، والذي عليه الشافعي وأكثر الأئمة أنه حجة ، وصرف الفعل إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال عبد الجبار ، وأبو عبد الله البصري ، وخالف أبو بكر الصيرفي [ ص: 300 ] والإسماعيلي ، وإمام الحرمين منا ، والكرخي والرازي من الحنفية ، وأكثر مالكية بغداد ، ومنعوا إضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لعدم تسمية الفاعل ; لأنه يحتمل غيره قطعا ، فلا يضاف إليه بالاحتمال . وحكى أبو الحسين بن القطان أن الشافعي نص في الجديد على أنه ليس في حكم المرفوع ، وفي القديم على أنه مرفوع ، وسيأتي بيانه .

                                                      وحكى ابن السمعاني قولا ثالثا بالوقف ، وحكى ابن الأثير الجزري في مقدمة " جامع الأصول " قولا رابعا بالتفصيل بين أن يكون القائل ذلك الصديق فمرفوع ; لأنه لم يتأمر عليه غيره . ويخرج من كلام ابن دقيق العيد خامس ، فإنه قال في " شرح الإلمام " : إن كان قائله من أكابر الصحابة كالخلفاء الأربعة فيغلب على الظن غلبة قوية أن الآمر هو الرسول ، وفي معناهم علماء الصحابة كابن مسعود وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وفي معناهم من كثر إلمامه بالنبي وملازمته كأنس وأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس . وإن كان ممن هو بعيد عن مثل ذلك من آحاد الصحابة الذين [ تأخر ] التحاقهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يفدون إليه ، ثم يعودون إلى بلادهم ، فإن الاحتمال فيهم قوي . انتهى . وحاصله تفاوت الرتب في ذلك ، ولا شك فيما قال . والأظهر قبوله مطلقا ، وإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن مراد الصحابي إنما هو الاحتجاج بقوله : أمرنا ، فيجب حمل الأمر على صدوره ممن يحتج بقوله ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم إذ غيره لا حجة في أمره . [ ص: 301 ] قال القاضي في " التقريب " : ولا فرق بين أن يقول الصحابي ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين قوله بعد وفاته ، وفي الزمن الذي ثبتت فيه حجية الإجماع ; لأنا لا نعرف أحدا فصل ذلك في الصحابي ، وأما إذا قاله من بعده ، فلا يمتنع أن يريد به أمر الأئمة ، وتردد الغزالي في أن قول التابعي ذلك موقوف ، أو مرفوع مرسل ، وجزم ابن عقيل من الحنابلة بأنه مرسل .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية