الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 201 ] الشرط الرابع [ من الشروط التي يجب أن تتحقق في المخبر ] أن يكون بعيدا من السهو والغلط ، ضابطا لما يتحمله ويرويه ; ليكون الناس على ثقة منه في ضبطه ، وقلة غلطه . فإن كان قليل الغلط قبل خبره ، إلا فيما نعلمه أنه غلط فيه ، وإن كان كثير الغلط ، رد إلا فيما نعلم أنه لم يغلط فيه . قال ابن السمعاني في " القواطع " ، ونحوه قول إلكيا الطبري : لا يشترط انتفاء الغفلة ، فكون الراوي ممن تلحقه الغفلة لا يوجب رد حديثه ، إلا أن يعلم أنه قد لحقته الغفلة فيه ، بعينه ، وأكثر المحدثين لا يخلون من جواز يسير الغفلة ، وإنما يرد إذا غلبت الغفلة على أحاديثه ، وعليه يخرج ما قاله الشافعي في إسماعيل بن عياش ، قال : إنه كان سيئ الحفظ فيما يرويه عن غير الشاميين ، وعنى به أن الغفلة كانت غالبة عليه في ذلك ، فاختلطت رواياته ، ولكن إذا تعارضت روايات من تناهى بحفظه ، ومن تلحقه الغفلة ، رجح الأول ، وذكر نحوه ابن برهان في " الأوسط " .

                                                      وقال ابن فورك في كتابه : فإن لم يكن ضابطا لكل ما حدث به ساغ الاجتهاد فيه ، وإن غلب عليه ترك الضبط لم يقبل خبره ، كما لا تقبل شهادته ، وقال في موضع آخر : إن كان الراوي تلحقه الغفلة في حالة لا يرد حديثه إلا أن يعلم أنه قد لحقته الغفلة في حديث بعينه . وقال أبو بكر الصيرفي : من أخطأ في حديث ، فليس بدليل على الخطأ في غيره ، ولم يسقط بذلك حديثه ، ومن كثر خطؤه وغلطه لم يقبل خبره ; لأن المدار على حفظ الحكاية . ا هـ . وهذا ما حكاه الترمذي في علله " عن جمهور أهل الحديث ، فقال : [ ص: 202 ] كل من كان متهما في الحديث بالكذب ، أو كان مغفلا يخطئ الكثير ، فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أن لا يشتغل منه بالرواية . ا هـ . وقال صاحب " الكبريت الأحمر " : الأحوال ثلاثة ، لأنه إن غلب خطؤه وسهوه على حفظه فمردود قطعا ، وإن غلب حفظه على اختلاله فيقبل إلا إذا قام دليل على خطئه ، وإن استويا فخلاف . قال القاضي عبد الجبار : يقبل ; لأن جهة الصدق راجحة في خبره ، لعقله ودينه . ا هـ . قلت : والراجح أنه ممن غلب غلطه ، وأطلق الشيخ أبو إسحاق رد خبره إذا كثر منه السهو والغلط ، وأشار بعض الخراسانيين من أصحابنا إلى أنه يقبل خبره إذا كان مفسرا ، وهو أن يذكر من روى عنه ، ويعين وقت السماع منه ، وما أشبه ذلك . قلت : وبه جزم القاضي أبو الحسين في كتاب الشهادات من تعليقه ، وذكر ابن الرفعة أن إمام الحرمين نقله عن الشافعي بالنسبة إلى الشهادة ، ففي الرواية أولى . قال : وهو ما أورده الفوراني والمسعودي والغزالي .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية