الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الثامنة : إذا علق الطلاق بصفة مستحيلة عرفا ، كقوله : إن طرت أو صعدت السماء ، أو إن حملت الجبل ، فأنت طالق ، أو عقلا كقوله : إن أحييت ميتا ، أو إن اجتمع السواد والبياض ، فهل يقع الطلاق أم لا ، أم يقع في العقلي دون العرفي ؟ فيه أوجه ، أصحها : لا يقع ، أما في العرفي ، فباتفاق الأصحاب وهو المنصوص ، وأما في العقلي ، فعند الإمام وجماعة خلافا للمتولي ، والمستحيل شرعا كالمستحيل عقلا ، كقوله : إن نسخ صوم رمضان .

                                                                                                                                                                        أما إذا قال : أنت طالق أمس أو الشهر الماضي ، أو في الشهر الماضي ، فله أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يقول : أردت ، أن يقع في الحال طلاق ، يستند إلى أمس أو إلى الشهر الماضي ، فلا شك أنه لا يستند ، لكن يقع في الحال على الصحيح . وقيل : لا يقع أصلا .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يقول : لم أوقع في الحال ، بل أردت إيقاعه في الماضي ، فالمذهب والمنصوص ، وقوع الطلاق في الحال وبه قطع الأكثرون ، وقيل : قولان ثانيهما : لا يقع .

                                                                                                                                                                        الحال الثالث : أن يقول : لم أرد إيقاعه في الحال ولا في الماضي ، بل أردت أني طلقتها في الشهر الماضي في هذا النكاح وهي في عدة الرجعية أو بائن الآن ، [ ص: 121 ] فيصدق بيمينه ، وتكون عدتها من الوقت الذي ذكره إن صدقته ، ويبقى النظر في أنه كان يخالطها أم لا ؟ وإن كذبته ، فالعدة من وقت الإقرار . وعن القاضي حسين : أنها إن صدقته ، قبل ، وإلا فالقول قولها في أنه أنشأ الطلاق ، وحينئذ يحكم عليه بطلاقين ، والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        الحال الرابع : قال : أردت أني طلقتها في الشهر الماضي وبانت ، ثم جددت نكاحها ، أو أن زوجا آخر طلقها في نكاح سابق ، قال الأصحاب : ينظر ، إن عرف نكاح سابق ، فطلاق فيه ، أو أقام بذلك بينة وصدقته المرأة في إرادته ، فذاك ، وإن كذبته وقالت : إنما أردت إنشاء طلاق الآن ، حلف .

                                                                                                                                                                        وإن لم يعرف نكاح سابق ، وطلاق في ذلك النكاح ، وكان محتملا ، فينبغي أن يقبل التفسير به وإن لم يقم بينة ، وإلا يقع الطلاق وإن كان كاذبا ، ولهذا لو قال ابتداءا : طلقك في الشهر الماضي زوج غيري ، لا يحكم بالطلاق عليه وإن كذب .

                                                                                                                                                                        الحال الخامس : أن يقول : لم أرد شيئا أو مات ولم يفسر ، أو جن ، أو خرس وهو عاجز عن التفهيم بالإشارة ، فالصحيح وقوع الطلاق ، ولو قال : أنت طالق للشهر الماضي ، ففي " المجرد " للقاضي أبي الطيب : أنه يقع الطلاق في الحال بلا خلاف ، كما لو قال : لرضى فلان ، لكن الكلام في مثل ذلك يستعمل للتاريخ ، واللفظ محتمل للمعاني المذكورة في قوله .

                                                                                                                                                                        المسألة التاسعة : قال : إذا مات أو إذا قدم فلان ، فأنت طالق قبله بشهر ، أو قال : أنت طالق قبل أن أضربك بشهر ، نظر إن مات فلان أو قدم ، أو ضربها قبل مضي شهر من وقت التعليق ، لم يقع الطلاق . وقيل : يقع عند الضرب ، والصحيح الأول ، وبه قطع الجمهور ، وتنحل اليمين . حتى لو ضربها بعد ذلك وقد مضى شهر أو أكثر ، لم تطلق ، وللإمام احتمال أنه لا تنحل لكون الضرب الأول ليس هو المحلوف عليه .

                                                                                                                                                                        وإن مات أو قدم أو ضرب بعد مضي شهر من وقت التعليق ، تبينا وقوع الطلاق قبله بشهر ، وتحسب العدة من يومئذ .

                                                                                                                                                                        [ ص: 122 ] ولو ماتت وبينها وبين القدوم

                                                                                                                                                                        [ دون ] شهر . لا يرثها الزوج ، ولو خالعها قبل القدوم أو الموت ، فإن كان بين الخلع وقدوم فلان أكثر من شهر ، وقع الخلع صحيحا ، ولم يقع الطلاق المعلق . وإن كان بينهما دون شهر والطلاق المعلق ثلاث ، فالخلع فاسد والمال مردود .

                                                                                                                                                                        ولو علق عتق عبده كذلك ثم باعه ، وبين البيع وموت فلان ، أو قدومه أكثر من شهر ، صح البيع ، ولم يحصل العتق .

                                                                                                                                                                        المسألة العاشرة : قال : أنت طالق غد أمس ، أو أمس غد على الإضافة ، وقع الطلاق في اليوم لأنه غد أمس وأمس غد .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أمس غدا ، أو غدا أمس لا بالإضافة ، طلقت إذا طلع الفجر من الغد ، ويلغو ذكر الأمس . هكذا أطلقه البغوي ، ونقل الإمام مثله في قوله : أنت طالق أمس غدا ، وأبدى فيه توقفا ، لأنه يشبه : أنت طالق الشهر الماضي . ولو قال : أنت طالق اليوم غدا ، وقع في الحال طلقة ، ولا يقع في الغد شيء . ولو قال : أردت اليوم طلقة وغدا أخرى ، طلقت كذلك إلا أن يبين . وإن قال : أردت إيقاع نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا ، فكذلك تطلق طلقتين . ولو قال : أردت نصف طلقة اليوم ونصفها الآخر غدا ، فوجهان ، أحدهما : يقع طلقتان أيضا ، وأصحهما : لا يقع إلا واحدة ، لأن النصف الذي أخره تعجل ، وبهذا قطع المتولي .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق غد اليوم ، فوجهان ، أحدهما : يقع في الحال طلقة ، ولا يقع في غد شيء ، كما سبق في قوله : اليوم غدا ، والثاني وهو الصحيح ، وبه قال القاضي أبو حامد وصححه أبو عاصم : لا يقع في الحال شيء ، ويقع في غد طلقة ، لأن الطلاق تعلق بالغد ، وقوله : بعده اليوم ، كتعجيل الطلاق المعلق ، فلا يتعجل . ولو قال : أنت طالق اليوم وغدا ، وبعد غد ، يقع في الحال طلقة ، ولا يقع [ ص: 123 ] في الغد ولا بعده شيء آخر ، لأن المطلقة في وقت مطلقة فيما بعده ، كذا ذكره المتولي .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق اليوم ، وإذا جاء الغد ، قال إسماعيل البوشنجي : يسأل . فإن قال : أردت طلقة اليوم وتبقى بها مطلقة غدا ، أو لم يكن له نية ، لم يقع إلا طلقة ، وإن قال : أردت طلقة اليوم وطلقة غدا ، أوقعناه كذلك إن كانت مدخولا بها .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق اليوم ورأس الشهر ، فهو كقوله : اليوم وغدا .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق اليوم وفي الغد ، وفيما بعد غد ، قال المتولي : يقع في كل يوم طلقة . قال : وكذلك لو قال : في الليل وفي النهار ، لأن المظروف يتعدد بتعدد الظرف ، وليس هذا الدليل بواضح فقد يتحد المظروف ، ويختلف الظرف .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق بالليل والنهار ، لم تطلق إلا واحدة . ولو قال : أنت طالق اليوم أو غدا ، فوجهان ، الصحيح : لا يقع إلا في الغد لأنه اليقين . والثاني : يقع في الحال تغليبا للإيقاع ، ولو قال : أنت طالق غدا أو بعد غد ، أو إذا جاء الغد أو بعد غد ، قال البوشنجي : لا تطلق في الغد ، قال : وعلى هذا استقر رأي أبي بكر الشاشي وابن عقيل ببغداد ، وهذا يوافق الصحيح من هذين الوجهين السابقين . ولو قال : أنت طالق اليوم إذا جاء الغد ، فوجهان . أحدهما عن ابن سريج وصاحب " التقريب " : لا تطلق أصلا ، لأنه علقه بمجيء الغد ، فلا يقع قبله ، وإذا جاء الغد ، فقد مضى اليوم الذي جعله محلا للإيقاع . والثاني : إذا جاء الغد ، وقع الطلاق مستندا إلى اليوم ، ويكون كقوله : إذا قدم زيد ، فأنت طالق اليوم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 124 ] قلت : الأصح لا تطلق ، وبه قطع صاحب " التنبيه " وهو الأشبه بالتعليق بمحال . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق الساعة إذا دخلت الدار ، قال البوشنجي : هو كقوله : أنت طالق اليوم إذا جاء الغد .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية