الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الخامس : الولاية على المحل ، فلو قال لمطلقته الرجعية في عدتها : أنت طالق . طلقت .

                                                                                                                                                                        والمختلعة لا يلحقها طلاقه ، لا في عدتها ولا بعدها ، ولو قال لأجنبية : إذا نكحتك فأنت طالق ، أو قال : كل امرأة أنكحها فهي طالق ، فنكح ، لم يقع الطلاق على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وهو الموجود في كتب الشافعي رحمه الله تعالى . وقيل : في الوقوع قولان ، حكاهما الحناطي والسرخسي وغيرهما ، وتعليق العتق بالملك ، كتعليق الطلاق بالنكاح بلا فرق . ولو قال : لله علي أن أعتق هذا العبد وهو لأجنبي ، فهو لغو . ولو قال : لله علي أن أعتقه إن ملكته ، فوجهان لأنه التزام في الذمة ، لكن متعلق بملك غيره . وأجرى الوجهان في قوله : إذا ملكت عبد فلان ، فقد أوصيت به لزيد . ولو أرسل الوصية وهو لا يملك شيئا ، صحت على الصحيح كالنذر . وحكى الشيخ أبو علي وجها ، أنها لا تصح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو علق العبد الطلقة الثالثة إما مطلقا بأن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فعتق ، ثم دخلت الدار ، وإما مقيد بحالة ملك الثالثة بأن قال : إذا عتقت فأنت طالق ثلاثا ، ففي صحة تعليق الثالثة وجهان . أصحهما : الصحة وبه [ ص: 69 ] قطع البغوي ، ويحكم بموجبه لأنه يملك أصل النكاح ، وهو يفيد الطلقات الثلاث بشرط الحرية ، وقد وجد كما أنه لا يملك في حال البدعة طلاق السنة ، ويملك تعليقه . ويجري الوجهان في قوله لأمته : إذا ولدت فولدك حر وكانت حائلا عند التعليق . فإن كانت حاملا حينئذ ، عتق قطعا .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        علق طلاقها بصفة كدخول الدار ، ثم أبانها قبل الدخول أو بعده بعوض أو بالثلاث ، ووجدت الصفة في حال البينونة ثم نكحها ، ثم وجدت الصفة ثانيا ، أو ارتد قبل الدخول ، ثم وجدت الصفة ، ثم أسلم ونكحها ، فوجدت الصفة ثانيا ، لم تطلق على المذهب وبه قطع الأصحاب . وقال الإصطخري : فيه قولان . كما لو لم توجد الصفة حال البينونة ، ولو علق عتق عبده بصفة ، ثم أزال ملكه ثم وجدت الصفة ، ثم اشتراه ، لم يؤثر وجود الصفة بعد ذلك على المذهب ، هذا إذا لم يكن التعليق بصيغة " كلما " فإن كان بها كقوله : كلما دخلت فأنت طالق : فإذا وجدت الصفة في البينونة ، ثم جدد نكاحها ، ففي عود الصفة القولان .

                                                                                                                                                                        أما إذا لم توجد الصفة حال البينونة ، ثم وجدت بعدما جدد نكاحها ، ففي وقوع الطلاق ثلاثة أقوال . أظهرها : لا يقع . والثاني : يقع . والثالث : إن كانت البينونة بما دون الثلاث ، وقع وإلا فلا . وتجري الأقوال في عود الإيلاء والظهار .

                                                                                                                                                                        فإذا قلنا بالأول وكانت الصفة مما لا يمكن إيقاعه في البينونة كقوله : إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا ، تخلص منها إذا أبانها ثم نكحها ، ولا يقع الطلاق بالوطء في النكاح الثاني ، وبه أجاب القاضي الروياني ، ويوضحه أنه لو قال : إذا بنت [ ص: 70 ] مني ونكحتك ، ودخلت الدار فأنت طالق ، أو قال : إن دخلت الدار بعدما بنت مني ونكحتك فأنت طالق ، فالمذهب ، وبه قال القفال والمعتبرون : لا تطلق بالدخول بعد البينونة ، وغلطوا من خرجه على الخلاف ، وعلى هذا القياس . فلو قال : إن دخلت الدار قبل أن أبينك فأنت طالق ، وإن دخلتها بعدما أبنتك ونكحتك ، فأنت طالق ، صح التعليق الأول ، وبطل الثاني . ولو علق على صفة ثم طلقها رجعية فراجعها ، ثم وجدت الصفة ، طلقت بلا خلاف لأنه ليس نكاحا مجددا ولم تحدث حالة تمنع وقوع الطلاق . ولو علق عتق عبد بصفة ، ثم أزال ملكه ببيع أو غيره ، ثم ملكه ، ثم وجدت الصفة ، ففي نفوذ العتق الخلاف في عود اليمين . ثم قيل : هو كالإبانة بالثلاث ، لأن العائد ملك جديد من كل وجه لا تعلق له بالأول ، كالنكاح بعد الثلاث . وقيل : هو كالإبانة بما دون الثلاث وبه قطع البغوي ، لأنه لم يتخلل بين التعليق والصفة حالة تمنع ملكه كما لو لم يتخلل هناك حالة تمنع نكاحه ، وإنما يكون كالإبانة بالثلاث إذا علق ذمي عتق عبده الذمي ، ثم أعتقه فنقض العهد ، والتحق بدار الحرب ، ثم سبي واسترق ، فملكه سيده الأول ، لأنه تخلل حالة يمتنع فيها الملك وهي حالة الحرب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الخلاف في وقوع الطلاق في النكاح الثاني ، يعبر عنه بالخلاف في عود الحنث وبالخلاف في عود اليمين ، لأن على قول لا يتناول اليمين النكاح الثاني ، ولا يحصل الحنث فيه . وعلى قول يتناوله ويحصل الحنث .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يقع الطلاق في النكاح الفاسد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 71 ] فصل

                                                                                                                                                                        إذا راجع الرجعية أو بانت منه هي أو غيرها بطلقة أو طلقتين ، ثم جدد نكاحها قبل أن تنكح غيره ، أو بعد نكاح ووطء الزوج الثاني ، عادت إليه بما بقي من الطلقات الثلاث .

                                                                                                                                                                        ولو بانت بالثلاث فنكحها آخر ووطئها وفارقها ، فنكحها الأول ، عادت إليه بالثلاث ، لأنه لا يمكن بناء الثاني على الأول ، لاستغراق الأول .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        الحر يملك ثلاث طلقات على زوجته الحرة والأمة ، والعبد لا يملك إلا طلقتين على الحرة والأمة ، والمدبر والمكاتب ومن بعضه حر ، كالقن . ومتى طلق الحر أو العبد جميع ما يملك ، لم تحل له المطلقة حتى ينكح زوجا آخر ، ويطأها ويفارقها كما سبق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        طلق ذمي زوجته طلقة ، ثم نقض العهد فسبي واسترق ، ونكح بإذن سيده تلك المرأة المطلقة ، ملك عليها طلقة فقط . ولو كان طلقها طلقتين وأراد نكاحها بعد الاسترقاق ، فوجهان . أصحهما ، وبه قالابن الحداد : تحل له ويملك عليها طلقة ، لأنها لم تحرم عليه بالطلقتين ، فطريان الرق لا يرفع الحل الثابت . وقيل : لا تحل له لأنه رقيق وقد طلق طلقتين . ولو طلق العبد طلقة ثم عتق فراجعها ، أو جدد نكاحها بعد البينونة ، ملك عليها طلقتين أخريين ، لأنه عتق قبل استيفاء عدد الرقيق . ولو طلقها طلقتين ، ثم عتق ، لم تحل له على الصحيح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        طلق العبد زوجته طلقتين ، وأعتقه سيده ، فقد ذكرنا أنه إن عتق أولا ، [ ص: 72 ] فله رجعتها وتجديد نكاحها . وإن طلق أولا ، فلا تحل له إلا بمحلل .

                                                                                                                                                                        فلو أشكل السابق واعترف الزوجان بالإشكال ، قال ابن الحداد والأكثرون : ليس له رجعتها ولا نكاحها إلا بمحلل . وقيل : تحل رجعتها والتجديد إن بانت ، ولا يفتقر إلى محلل لأن الأصل أن لا تحريم .

                                                                                                                                                                        ولو اختلفا في السابق ، نظر إن اتفقا على وقت الطلاق كيوم الجمعة ، وقال : عتقت يوم الخميس ، وقالت : بل يوم السبت ، فالقول قولها . وإن اتفقا أن العتق يوم الجمعة وقالت : طلقت يوم السبت فقال : بل يوم الخميس ، فالقول قوله .

                                                                                                                                                                        وإن لم يتفقا على وقت أحدهما وقال : طلقتك بعد العتق ، وقالت : قبله واقتصر عليه ، فالقول قوله لأنه أعرف بوقت الطلاق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        سبق في التحليل

                                                                                                                                                                        لو قالت المطلقة ثلاثا : نكحني زوج وأصابني وانقضت عدتي منه ولم يظن ، صدقها لأن الأولى أن لا ينكحها . وهل يجب عليه البحث عن الحال ؟ قال أبو إسحاق : لا يجب لكن يستحب . وقال الروياني : أنا أقول : يجب في هذا الزمان .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية