الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني : في كيفية المطالبة ، فلها المطالبة بأن يفيء أو يطلق ، وما لم تطلب ، لا يؤمر الزوج بشيء ، ولا يسقط حقها بالتأخير . ولو تركت حقها ورضيت ، ثم بدا لها ، فلها العود إلى المطالبة ما لم تنقض مدة اليمين ، لأن الضرر متجدد [ ص: 254 ] وتختص المطالبة بالزوجة ، فليس لولي المراهقة والمجنونة المطالبة ، وحسن أن يقول الحاكم للزوج : اتق الله بالفيأة أو الطلاق ، وإنما يضيق عليه إذا بلغت أو أفاقت وطلبت ، وليس لسيد الأمة أيضا مطالبة ، لأن الاستمتاع حقها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا وجد مانع من الجماع بعد مضي المدة المحسوبة ، نظر أهو فيها ، أم في الزوج ؟ فإن كان فيها ، بأن كانت مريضة لا يمكن وطؤها ، أو محبوسة لا يمكنه الوصول إليها ، أو حائضا أو نفساء ، أو محرمة ، أو صائمة ، أو معتكفة عن فرض ، لم يثبت لها المطالبة بالفيأة لا فعلا ولا قولا ، لأنه معذور . وإن كان المانع فيه ، فهو طبعي وشرعي ، فالطبعي بأن يكون مريضا لا يقدر على الوطء ، أو يخاف منه زيادة العلة ، أو بطء البرء ، فيطالب بالفيأة باللسان ، أو بالطلاق إن لم يفئ ، والفيأة باللسان أن يقول : إذا قدرت فئت . واعتبر الشيخ أبو حامد أن يقول مع ذلك : ندمت على ما فعلت ، وإذا استمهل الفيأة باللسان ، لم يمهله بحال ، فإن الوعد هين متيسر ، ثم إذا زال المانع ، يطالب [ بالفيأة ] بالوطء أو بالطلاق ، تحقيقا لفيأة اللسان ، ولا يحتاج هذا الطلب إلى استئناف مدة ، وإن كان محبوسا ظلما ، فكالمريض ، وإن حبس في دين يقدر على أدائه ، أمر بالأداء أو الفيأة بالوطء ، أو الطلاق ، وأما الشرعي ، فكالصوم والإحرام والظهار قبل التكفير ، ففيه طريقان .

                                                                                                                                                                        المذهب منهما ، أنه مبني على أن الزوج لو أراد وطئها وهناك مانع شرعي ، هل يلزمها التمكين ؟ وفيه تفصيل حاصله [ أنه ] إن كان المانع يتعلق بهما كالطلاق الرجعي ، أو يختص بها كالحيض والصوم والإحرام ، لم يلزمها ، بل يحرم عليها التمكين ، وإن اختص به كصومه وإحرامه ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يلزمها التمكين ، لأنه لا مانع فيها ، وليس لها منع ما عليها من الحق . وأصحهما : المنع ، لأنه موافقة على الحرام وإعانة عليه . وإن كان التحريم بسبب الظهار ، فهل هو كالطلاق الرجعي ، أم كصومه ؟ وجهان . فإذا قلنا : يجوز التمكين ، فلها المطالبة [ ص: 255 ] بالوطء أو الطلاق . فإن أراد الوطء فامتنعت ، سقط حقها من الطلب ، وإن قلنا : بالمنع ، فوجهان ، أحدهما : يقنع منه بفيأة اللسان ، وأصحهما وبه قطعابن الصباغ : يطالب بالطلاق إزالة للضرر عنها ، بخلاف المانع الطبعي ، لأن الوطء هناك متعذر ، وهنا ممكن ، وهو المضيق على نفسه .

                                                                                                                                                                        والطريق الثاني : أن يقال له : ورطت نفسك بالإيلاء ، فإن وطئت عصيت وفسدت عبادتك ، وإن لم تطأ ، ولم تطلق ، طلقناها عليك ، كمن غصب دجاجة ولؤلؤة فابتلعتها ، يقال له : إن ذبحتها غرمتها ، وإلا غرمت اللؤلؤة .

                                                                                                                                                                        ولو قال في صورة الظهار : أمهلوني حتى أكفر ، نظر إن كان يكفر بالصوم ، لم يمهل ، وإن كان بالعتق والطعام ، فعن أبي إسحاق : يمهل ثلاثة أيام . وفي " التهذيب " : يوما أو نصف يوم ، ويمكن أن يكون بحسب تيسر المقصود ، وهذا إذا لم تطل مدة الإمهال .

                                                                                                                                                                        فإن طالت لفقد الرقبة أو مصرف الطعام ، لم يمهل ، كذا قاله المتولي . وعلى كل حال ، لو وطئ مع التحريم ، خرج عن موجب الإيلاء ، واندفعت المطالبة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية