الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        طلق رجعيا ثم راجعها ، انقضت العدة ، فإن طلقها بعده ، فلها حالان . أحدهما : أن تكون حائلا ، فإن وطئها بعد الرجعة ، لزمها استئناف العدة ، وإلا لزمها الاستئناف أيضا على الجديد الأظهر . وفي القديم : تبني على العدة السابقة . فعلى هذا ، لو راجعها في خلال الطهر ، فهل يحسب ما مضى من الطهر قرءا ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، لأن بعض القرء كالقرء . فعلى هذا إذا كانت الرجعة في خلال الطهر الثالث ، ثم طلقها ، فلا شيء عليها على قول البناء ، لتمام الأقراء بما مضى ، وأصحهما : لا ، بل عليها في هذه الصورة قرء ثالث ، وإنما يجعل بعض الطهر من آخره قرءا لاتصاله بالحيض ، ودلالته على البراءة ، بخلاف بعض الأول .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن تكون حاملا ، فإن طلقها ثانية قبل الولادة ، انقضت عدتها بالولادة ، وطئها أم لا . وإن ولدت ثم طلقها ، فإن وطئها قبل الولادة أو بعدها ، لزمها استئناف العدة بالأقراء ، وإن لم يطأ ، استأنفت أيضا على المذهب . [ ص: 397 ] وقيل : وجهان ، أصحهما : هذا ، والثاني : لا عدة عليها ، وتنقضي عدتها بالوضع ، هذا كله إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها . فلو طلقها ولم يراجعها ، ثم طلقها أخرى ، فالمذهب أنها تبني على العدة الأولى ، لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة ، فصار كما لو طلقها طلقتين معا . وقال ابن خيران والإصطخري والقفال : في وجوب الاستئناف قولان ، كما في الحال الأول . ولو راجعها ثم خالعها ، فإن جعلنا الخلع طلاقا ، فهو كما لو طلقها بعد الرجعة ، وإن جعلناه فسخا ، فطريقان . أحدهما : أن وجوب الاستئناف على القولين . والثاني : القطع بالاستئناف ، لأن الفسخ ليس من جنس الطلاق ، فلا تبنى عدة أحدهما على الآخر ، وهذا الطريق أظهر عند الروياني ، ويجري الطريقان في سائر الفسوخ ، مثل أن ينكح عبد أمة ثم يطلقها رجعيا ، ثم تعتق هي ويفسخ النكاح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا طلق المدخول بها على عوض ، أو خالعها ، فله أن ينكحها في العدة ، ونقل في " المهذب " عن المزني : أنه لا يجوز ، كما لا يجوز لغيره ، وهذا غريب . فإذا نكحها ، فعن ابن سريج : أنه لا تنقطع عدتها ما لم يطأها ، كما لو تزوجها أجنبي في العدة جاهلا ، والصحيح : أنها تنقطع بنفس النكاح ، لأن نكاحه صحيح ، وزوجته المباحة لا يجوز أن تكون معتدة منه ، فعلى هذا لو طلقها بعد التجديد ، نظر إن كانت حاملا ، انقضت عدتها بوضع الحمل ، وإن كانت حائلا ولم يدخل بها ، بنت على العدة السابقة ، ولم يلزمه إلا نصف المهر ، لأن هذا النكاح جديد طلقها فيه قبل المسيس ، فلا يتعلق به العدة ، ولا كمال المهر ، بخلاف ما سبق في الرجعية ، فإنها تعود بالرجعة إلى ذلك النكاح .

                                                                                                                                                                        وإن دخل بها ، لزمها استئناف العدة ، وتدخل في العدة المستأنفة بقية العدة السابقة ، ولو مات عنها بعد التجديد ، فالمذهب وبه قطع البغوي وغيره : أنه يكفيها [ ص: 398 ] عدة الوفاة ، وتسقط بقية العدة السابقة ، كما لو مات عن رجعية . وذكر الغزالي في اندراج تلك البقية في عدة الوفاة وجهين لاختلاف الجنس .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل تتعلق بالباب .

                                                                                                                                                                        إحداها : نكح معتدة عن وفاة ، ووطئها جاهلا ، فأتت بولد يمكن كونه من كل منهما ، ولا قائف ، انقضت بوضعه عدة أحدهما ، وعليها بعده أكثر الأمرين من بقية عدة الوفاة بالأشهر ، وثلاثة أقراء .

                                                                                                                                                                        الثانية : وطئ الشريكان المشتركة ، لزمها استبراءان على الصحيح ، كما لا تتداخل العدتان ، وقيل : يكفي استبراء .

                                                                                                                                                                        الثالثة : أحبل امرأة بشبهة ثم نكحها ومات قبل ولادتها ، فهل تنقضي عدتها بوضع الحمل ، أم بأكثر الأجلين من وضع الحمل ومدة عدة الوفاة ؟ وجهان . ولو طلقها بعد الدخول ، ففي انقضاء العدتين بالوضع الوجهان ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية