الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6152 104 - حدثني عبد العزيز بن عبد الله ، قال : حدثني إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن الأعرج ، أنهما حدثاه أن أبا هريرة قال : استب رجلان ; رجل من المسلمين ورجل من اليهود ، فقال المسلم : والذي اصطفى محمدا على العالمين . فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين . قال : فغضب المسلم عند ذلك فلطم وجه اليهودي ، فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون في أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه المطابقة بين الحديث والترجمة يمكن أن يؤخذ من قوله : " فإن الناس يصعقون يوم القيامة " إلى آخر الحديث ، ولكن فيه تعسف ، وقد تكرر ذكر رجاله . والحديث مضى في باب ما يذكر في الأشخاص ، فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن قزعة عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة ، إلى آخره ، ومضى الكلام فيه هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا تخيروني " أي : لا تفضلوني ولا تجعلوني خيرا منه ، قيل : هو صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل المخلوقات ، فلم نهى عن التفضيل ؟ وأجيب بأن معناه : لا تفضلوني بحيث يلزم نقص أو غضاضة على غيره من الفضل ، أو بحيث يؤدي إلى خصومة ، أو قاله تواضعا ، أو كان هذا قبل علمه بأنه كان سيد ولد آدم . وقال ابن بطال : لا تفضلوني عليه في العمل ، فإنه أكثر عملا مني ، والثواب بفضل الله لا بالعمل . أو لا تفضلوني في البلوى والامتحان ، فإنه أكثر محنة مني وأعظم إيذاء وبلاء . قوله : " يصعقون " بفتح العين في المضارع وبكسرها في الماضي ، من صعق إذا غشي عليه . وقال ابن الأثير : الصعق أن يغشى على الإنسان من صوت شديد يسمعه ، وربما مات منه ، ثم استعمل في الموت كثيرا . وقال القاضي : يحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث ، حتى تنشق السماوات والأرض ، يدل عليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم " فأفاق قبلي " ، لأنه إنما يقال أفاق من الغشي ، وأما الموت فيقال بعث منه ، وصعقة الطور لم تكن موتا وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم " فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي " فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن علم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره ، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم أول شخص ممن تنشق عنهم الأرض ، فيكون موسى عليه السلام من تلك الزمرة ، وهي والله أعلم زمرة الأنبياء عليهم السلام .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أو كان ممن استثنى الله " أي : فيما قال : فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وفيه عشرة أقوال : الأول : أنهم الموتى ، لكونهم لا إحساس لهم ، والثاني : الشهداء ، الثالث : الأنبياء عليهم السلام ، وإليه مال البيهقي وجوز أن يكون موسى عليه السلام ممن استثنى الله ، الرابع : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، ثم يموت الثلاثة ثم يقول الله لملك الموت مت فيموت ، قاله يحيى بن سلام في تفسيره ، الخامس : حملة العرش ، لأنهم فوق السماوات ، السادس : موسى عليه السلام وحده أخرجه الطبري بسند فيه ضعف عن أنس وعن قتادة ، وذكره الثعلبي عن جابر ، السابع : الولدان الذين في الجنة والحور العين ، الثامن : خزان الجنة ، التاسع : خزان النار وما فيها من الحيات والعقارب ، حكاه الثعلبي ، العاشر : الملائكة كلهم ، جزم به ابن حزم في الملل والنحل ، فقال : الملائكة أرواح لا أرواح فيها ، فلا يموتون أصلا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية