الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الخاتمة

بينت الدراسة وظائف الدولة، كما أصل لها الإمام الجويني، رحمه الله، منطلقا من أصالة فكرة الدولة في النظرية السياسية الإسلامية، إذ تعد الدولة في الفكر السياسي الإسلامي وسيلة لحفظ مقاصد النبوة بهداية الخلق وحفظ الاجتماع الإنساني بما يحقق التنمية، ويدفع الاعتداء.

ومن أجل تحقيق هذا المقصد منحت الدولة ولاية التنظيم والإدارة، وكلفت بتنفيذ خدمة الأمن وخدمة سن التشريعات والتدابير المناسبة، وخدمة بناء ثقافة جامعة، ومحاربة الأفكار العنصرية، وتوفير شبكة أمان لحماية الفقراء والعجزة.

ومما يميز فقه الجويني في تحديده لوظائف الدولة أنه انطلق من نظرية تقوم على فهم النصوص في ضوء الكليات، كما تفهم العالم فتدرك طبيعة العلاقات الدولية، وعلم نفس العصابات والمتمردين، ومن هناك كان في تحديده للواجبات المنوطة بالدولة يقدم أفكارا عملية مناسبة من غير تجاوز لسيادة الشرع.

فقد حدد واجب الدولة بحفظ الأمن الداخلي والخارجي، لكنه لم يسمح بانتهاك حقوق الإنسان بحجة الأمن، ولم يقبل بالتوسع في العقوبات من باب [ ص: 152 ] السياسة فيما ورد فيه حد شرعي، منعا للتصادم مع مبدأ كلي، مضمونه: أن التعزير لا يجوز أن يصل للحد، وبهذا ضيق من مجال العقوبات البدنية، وتوسع في بدائل العقوبة البدنية، وهذا توجه منسجم مع الاتجاه الحديث في حماية حقوق الإنسان.

وحين تناول وظيفة الدولة بتحقيق خدمة الأمن الداخلي عالج موضوع العصابات وأهل البدع، وانطلق من إدراكه لعلم نفس الإجرام، وبين أن مشكلة أهل البدع تأتي من تجمعهم ومن رؤوسهم، فقدم الحلول المناسبة.

وحين تكلم عن وظيفة حفظ الأمن الخارجي انطلق من نظرية واقعية في العلاقات الدولية تقوم على "أنه ما أقرب قعودنا عنهم من قدومهم إلينا".. ومن هنا على الدولة بناء القوة الرادعة لحماية وجودها.

ويلحظ الدارس اعتماد الجويني في معالجته السياسية على مبدأ "سلطة الأمة" وأنها المكلفة ابتداء، وعبارته: "أنهم متأصلون فيما كلفهم ربهم" أي أن التكليف وجه أصالة للأمة، ومن هنا فإذا عجزت السلطة العامة عن تطبيق الواجبات المنوطة أو غابت فإن الجماعة تنوب مناب الإمام عند غيابه، ويلزم من هذا تنظيم الأمة المسلمة لنفسها بمؤسسات تدافع بها عن مصالحها عند غياب الدولة أو عجزها، وهذه المؤسسات ينبغي أن تكون رديفا للدولة ومكملا لدورها في حفظ سيادة الشرع، واقعا وعملا، وحفظ كرامة أفراد الأمة.

كما بينت الدراسة أهمية وجود مؤسسات رقابية تضمن سيادة الشرع في ممارسة السلطة العامة لأعمالها.

[ ص: 153 ] كما أن الجويني أصل لمنهج سن الدولة للتشريعات وسبيل معالجة المستجدات بالرجوع للكليات، وعدم مصادمة الجزئيات، التزاما بسيادة الشرع.

وبينت الدراسة أيضا الوظائف المنوطة بالدولة، كما عرضها الإمام الجويني، مقارنة مع أفكار منظري الفكر السياسي القديم والحديث، منبهة إلى مدى تدخل الدول في تنظيم الشأن الديني والاقتصادي والثقافي.

وكشفت الدراسة عن حاجة الدولة للدين الحق، لتحقيق وظائفها، وحاجة الدين للدولة لتحقيق مقاصده.

كما بينت مدى تدخل الدولة في التنظيم والإدارة، وبناء القيم. ومتى يترك الأمر للمجتمع لينظم نفسه موازنه بين الحرية والتنظيم.

وأبرز الجويني الواجب التكافلي، الذي ينهض بالدولة بحفظ المعرضين للضياع، وهذا الواجب يتسع لصور من الضمان الاجتماعي والتكافلي في العصر الحديث، كإنشاء صندوق لتسليف النفقة أو صندوق للقرض الحسن، وغير ذلك مما ينبغي للدولة أن تعمل على تنظيمه وسن التشريعات المناسبة لوجوده واستمراره وتنميته.



[ ص: 154 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية