الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
4- مسوغ وجود الدولة وإقامة السلطة العامة عند الجويني:

بين الجويني في كتابه: "غياث الأمم" الغاية من إيجاد الدولة، ونبه للعلاقة التكاملية بين وظيفة الدين ووظيفة الدولة، وبدأ بتحليل وظيفة الدين، وهداية الإنسان لما خلق له: من التقرب إلى الله تعالى بعبادته، وعمارة الأرض، والإحسان للخلق، ويترتب على التزام الإنسان بهدي ربه المكافأة بالحياة الطيبة والفوز بالجنة.

وشرط ذلك الاستمساك بالتقوى والسعي لابتغاء ما يرضي الله، واجتناب الهوى، الذي يصد عن رسالة الإنسان في الحياة ويقود للردى: فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى (طه:16).

وقد خلق الإنسان مفطورا على حب الشهوات: زين للناس حب الشهوات (آل عمران:14) ، وهذه الشهوات في أصلها غرائز تحمل الإنسان على أداء رسالته، وإذا وجهت بضابط العقل كانت زينة مباحة، وتكون خيرا للإنسان كغريزة الطعام للبقاء، وغريزة الجنس لاستمرار النوع [ ص: 99 ] الإنساني، لكن إذا خرجت الغرائز عن ضابط العقل فتجاوز الإنسان حد الحاجة، أو اكتسبها بطرق محرمة صارت شهوات محرمة.

ومن طبع الشهوات أنها لا تكتفي بما هو حد الحاجة بل تسعى للمزيد، بـما يـخرجها عن حد الاعتدال، كما أن الإنسان قد يسعى لنيل الشهوات بأي طريق ولو كانت تؤدي لصـراع مع غيره، لتصارع الخلق في سعيهم للكسب وتنافسهم على المكاسب، وهنا تأتي أهمية الشرع لتوجيه الخلق لكيفية التعامل مع الغرائز الذاتية لديه، وتوجيههم لطرق الكسب الحلال؛ بما يمنع التخاصم؛ فنظم الشرع طرق الكسب القائمة على التراضي، وحرم الغصب والسرقة والغش.

لكن معظم الناس تحكمت بهم شهواتهم فلم يستجيبوا لوازع الدين، فاقتضى وجود الدولة لحمل الناس على مراشدهم بقوة النظام القضائي والتنفيذي في الدولة، وبهذا تكون الدولة مكملة لوظيفة الدين.

وفي هذا المعنى يقول الجويني: "ولكن الله تعالى فطر الجبلات على التشوف والشهوات، وناط بقاء المكلفين ببلغة وسداد، فتعلقت التكاليف من هذه الجملة بالمحافظة على تمهيد المطالب والمكاسب، وتمييز الحلال من الحرام.

"ثم لما جبلت النفوس على حب العاجل، والاستهانة بالمهالك والغوائل، والتهالك على جمع الحطام من غير تماسك وتمالك; وهذا يجر التنافس والازدحام، والنزاع والخصام،... فاقتضى الشرع فيصلا بين الحلال والحرام، وإنصافا وانتصافا بين طبقات الأنام، ثم لم ينحجز معظم الناس عن [ ص: 100 ] الهوى بالوعد والوعيد، والترغيب والتهذيب، فقيض الله السلاطين وأولي الأمر وازعين، ليوفروا الحقوق على مستحقيها، ويبلغوا الحظوظ ذويها، ويكفوا المعتدين، ويعضدوا المقتصدين، ويشيدوا مباني الرشاد، ويحسموا معاني الغي والفساد، فتنتظم أمور الدنيا، ويستمد منها الدين الذي إليه المنتهى" [1] .

ومن هنا نشأت فكرة الحاجة إلى الدولة، فالدولة في المفهوم الإسلامي موجودة لتحقيق مقصود الشرع وخدمته، بينما نجد الأمر مختلفا في الفكر الوضعي حيث توجد الدولة وتضع التشريع لخدمة أهدافها.

والأنظمة التشريعية، التي عرفتها الإنسانية، متعددة إزاء علاقة الدولة بالتشريع.

فهناك الشريعة التي لا ترتبط بوجود دولة، كالشريعة اليهودية حيث كان يسوسهم الأنبياء، ومنها الشريعة التي تعبر عن مصالح الدولة، كالنظام الروماني والأنظمة الحديثة، ومنها الشريعة التي تسبق وجود الدولة وتقوم السلطة العامة لتنفيذ هذه الشريعة وحمايتها كالنظام الإسلامي.

التالي السابق


الخدمات العلمية