الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أقسام السيادة ومظاهرها في الدولة الحديثة:

1- السيادة القانونية.

2- السيادة السياسية.

وفيما يلي تعريف بكل نوع:

1- السيادة القانونية:

تعني "السيادة القانونية": حق الدولة في الاستقلال بوضع القوانين والأنظمة والتدابير، كما يعني خضوع جميع مؤسسات الدولة، وأفرادها لمقتضى التشريع، وهذا الحق يقره الفقه الإسلامي للدولة، وقد يعبر عنه بحاكمية الشرع [1] .

ولكن الشرع الإسلامي يقيد حق الدولة في سن التشريع بأن يستند القرار إلى أساس شرعي، من نص منزل أو مصلحة معتبرة، وفي هذا يقول الجويني: "التدابير إن لم يكن عن الشرع لها صدر فالهجوم عليها حظر" [2] ، ويعود هذا القيد للآية القرآنية يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (النساء:59) [ ص: 39 ] ، فنبهت الآية إلى أن طاعة أولى الأمر مستمدة، ولا بد أن تستند إلى أساس من طاعة الله.

ومن هنا، فإن الفقه الإسلامي يشترط استناد كل أعمال الدولة إلى أساس تشريعي، وعدم تصادمها مع النصوص التشريعية القطعية.

كما أن الفقه الإسلامي لا يقبل تحصين القرارات الإدارية من الرقابة القضائية؛ لأن هذا مخالف لسيادة الشرع المقتضية لبسط الرقابة على كل أعمال الدولة تطبيقا لسيادة القانون وسيادة الشرع.

وهـذه السيادة القانونية لها مظهران: السيادة الداخلية، الإقليمية، والسيادة الخارجية.

وتعني السيادة الداخلية: قدرة الدولة الفعلية على تنفيذ إرادتها على نحو مستقل لا تخضع فيه لقرار خارجي.. وكان من مظاهر السيادة الداخلية للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، التي أسسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم : ما قررته الوثيقة الدستورية المؤسسة المسماة تراثيا بـ "الصحيفة"، من إلغاء لأعراف العرب المخالفة للعدالة، كالثأر الجاهلي الذي كان يعاقب أي شخص من أقارب الجاني، وتقريرها تشريع القصاص العادل القائم على المساواة واقتصار العقوبة على الجاني [3] .

أما السيادة الخارجية، فتعنى استقلال قرارات الدولة، في سنها للتشريعات [ ص: 40 ] ودخولها في المعاهدات والتحالفات، وعدم خضوعها للإملاءات الخارجية، وحماية حدود الدولة.

ومن تطبيقات هذا المبدأ:

- عدم خضوع الدولة لأي دولة أخرى.

- تنظيم الاتفاقيات بين الدول ذات السيادة يكون على أساس الرضا.

- الاتفاقيات الدولية لا تعد ملزمة للدولة مالم توافق عليها عبر مؤسساتها.

- نظرية امتداد السيادة في الفقه الإسلامي:

عرف الفقه الإسلامي ما يمكن أن نسميه بنظرية "امتداد السيادة"، بمعنى تطبيق قانون الدولة المسلمة خارج إقليمها، وحصر الحنفية "امتداد السيادة" عـلى القواعـد العسـكرية خارج الإقـليم، كما ينطبق أيضا على سفنها الحربية.

أما بقية الفقهاء فيقولون بامتداد ولاية القضاء خارج الإقليم. وعليه يمكن للقاضي الشافعي أو المالكي أن ينظر في جرائم حدثت خارج الدولة المسلمة، إذا رفعت القضية عنده استنـادا لمبدأ امتـداد السيادة، أما القـاضي الحنـفي فلا تعد الجرائم خارج الإقليم من اختصاصه إلا إذا كانت داخل سفن عسكرية للدولة المسلمة، فتعد هذه السفن من إقليم الدولة المسلمة وتخضع لسيادة الدولة المسلمة ولولاية القضاء المسلم.

2- السيادة السياسية:

[ ص: 41 ] تعني "السيادة السياسية": من أين يستمد الحكم شرعيته؟ هل يستمدها بالانتخاب والرضا، كما هو الشأن في الدول الحديثة، التي تتبنى مفهوم سيادة الأمة؟ أم بالحق الإلهي أو الحق التاريخي، كما في الدول القديمة، التي كانت تتبنى مفهوم سيادة الحاكم؟

وقد استقر مصطلح "سيادة الأمة" في الفكر السياسي الغربي بعد انتشار أفكار "لوك" و"روسو" وغيرهم من فلاسفة الحرية.. ويلزم من "سيادة الأمة" حق الأمة في اختيار حكامها، ومراقبة التزامهم بالشرع وتقويم انحرافهم، أو العدول عنهم [4] ، مثلما تعني أن يستند الحكم إلى رضا الأمة بالبيعة أو ولاية العهد من حاكم منتخب بالبيعة.

ومن شواهد هذه السيادة ما ورد عن القاضي عبد القاهر البغدادي (429هـ): "فمتى أقام، أي الحاكم، في الظاهر على موافقة الشريعة كان أمره في الإمامة منتظما، ومتى زاغ عن ذلك، كانت الأمة عيارا عليه (مختارا) في العدول به من خطئه إلى صوابه، أو في العدول عنه إلى غيره. وسبيلهم معه، أي الأمة، فيها كسبيله مع خلفائه وقضاته وعماله وسعاته، إن زاغوا عن سننه عدل بهم أو عدل عنهم" [5] .

وهذا المبدأ الذي قرره البغدادي، وهو من علماء القرن الخامس الهجري، [ ص: 42 ] هو لباب ما في أرقى الدساتير الحديثة التي عرفها الغرب، فسيادة الأمة بمعنى حق الرقابة أو السيادة السياسية بالنسبة إلى الإمام مقررة بكل وضوح، وعلاقة الأمة به كعلاقته مع خلفائه وعماله تماما [6] ، ويتضح من نص البغدادي السابق أنه يعطي للأمة خيارا حال مخالفة الحاكم لمبدأ المشروعية العليا بين تقويمه أو إسقاطه، وهذا يقابل حق الاستجواب وطرح الثقة في الأنظمة البرلمانية الحديثة.

ويرى بعض الباحثين أن الأدق أن يقال: إن السيادة للشرع والسلطة للأمة؛ لأن الأمة مقيدة في الفكر الإسلامي بالشرع الذي آمنت به.

التالي السابق


الخدمات العلمية