الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
التقييم الفقهي للدولة القانونية المعاصرة:

الدولة القانونية المعاصرة اليوم يحكمها قانون وتخضع لدستور، وتنص الدساتير على إقرار حقوق الإنسان، ومنها: حرية المعتقد، وحرية التعبير، وحرمة المسكن، وحرية التجمع، وتكوين النقابات وغيرها. كما تنص على شـكل الدولة: هل هي مـلكية؟ أم جمـهـورية رئاسـيـة؟ وهل الحكم برلماني؟ أو رئاسي؟ كما تحدد الـدسـاتير طبيعة العلاقة بين السلطات الثلاث داخل الدولة.

ويراعى في الدولة القانونية تسلسل القواعد الآمرة؛ بحيث تعلو الدساتير على سائر القواعد الآمرة، تليها رتبة القوانين ثم الأنظمة والتشريعات. ولا يجوز [ ص: 45 ] أن تتصادم الأنظمة، والتشريعات، مع ما فوقها.

وهذه الدولة القانونية، سواء أكانت مسلمة، أو غير مسلمة، تقوم بوظائف تحقق عددا من مقاصد الشريعة كحفظ النفس، والمال، وحفظ العقل، وذلك عبر التشريعات والنظم والمؤسسات.

فالتعليم الصحيح الذي ينمي قدرة الطالب عن النقد والتفكير العلمي، يعد وسيلة لحفظ العقل، والمؤسسات العلاجية تحفظ النفس، وبالمؤسسات الرقابية والقضائية تحفظ الأنفس والأعراض، وبالخطط التنموية تحفظ الأموال.

وإذا نظرنا لهذه الدول من الناحية العملية نجد غالبها لا تعنى بحفظ الدين على الكمال، ولكن يوجد فيها دستور ينص على حقوق الإنسان، ومنها حقه في اختيار عقيدته، وهي في موقفها من الدين على عدة أحوال:

بعض الدول تنص دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة، وربما أضاف بعضها: وأنه مصدر من مصادر التشريع، كما تقدم الدولة خدمات تتعلق بالدين، كتعليم الدين في المدارس الحكومية ورعاية شؤون المساجد والأئمة، وتخصص برامج دينية في مؤسساتها الإعلامية، وتعلن الشعائر الدينية كرفع الأذان والاحتفال بالأعياد الدينية على نحو رسمي؛ تعبيرا عن مكانة الدين في المجتمع، وهذا حال أغلب الدول العربية.

وتمتاز بعض الدول العربية بوجود قضاء شرعي يعنى بقضايا الأحوال الشخصية، يحكم بقانون مستمد من الشرع الحنيف، ويقضي به قاض مختص [ ص: 46 ] في الفقه الإسلامي.

وبعض الدول تقف من الدين موقف الحياد، بمعنى أنها لا تمانع من قيام مؤسسات المجتمع المدني بتوفير خدمات دينية لرعاياها، ولكنها لا تقدم خدمات دينية في مؤسساتها الحكومية، ولا تسمح بإعلان الأذان خارج المسجد، وهذا حال عدد من الدول الغربية.

وبعض الدول قد تقف من الدين موقفا سلبيا في الحياة العامة بحجة عدم التمييز بين المواطنين، كما في فرنسا التي منعت الرموز الدينية في المدارس الحكومية واعترضت بعض البلديات على مطالبة اليهود والمسلمين بتوفير لحوما حلال في مطاعم المدارس بحجة أن الاستجابة لهذا المطلب تمييز الديني [1] !

وربما كان السبب للموقف الفرنسي الرسمي من الرموز الدينية الإرث التاريخي للصراع الديني زمن الثورة الفرنسية.

أما الدول التي تعادي الدين وترفض حق شعوبها في حرية المعتقد فليست من الدول القانونية؛ لعدم التزامها بحقوق الإنسان التي تعد معيارا موضوعيا للدولة القانونية الحديثة.

وهذا يقتضي من الفقه الإسلامي أن يبين سبل التعامل مع هذه الدول القانونية.

وما يلفت النظر أن كتب التراث السياسي لم تتطرق لسبل التعامل مع [ ص: 47 ] هذه الحالة؛ إذ كان الطرح السياسي الإسلامي التراثي حين يتعرض لأهمية الدولة يرد على منكري فكرة الدولة من الملل والنحل، كالنجدات من الخوارج، وهو مبدأ شبيه بما يعرف بالمذهب الفوضوي، كما اعتنوا بالرد على من أنكر وجوب تنصيب الإمام شرعا، كأبي بكر الأصم، وقالوا إنها من باب المعاملات، كما فندوا أقوال من قال بجواز الإمامة في الأمن وسقوطها في الفتنة كهشام الفوطي [2] .

ولكن الطرح المعاصر تجاوز هذه المسألة، فلا بد للناس من آمر، ومن دولة تحكمهم، فكيف يتعامل المسلمون اليوم مع واقع الدول، ومنها العلماني، ومنها من ينص على أن الإسلام دين الدولة، وقد يزيد بعضها بأن الفقه مصدر من مصادر التشريع؟

ويمكن هنا أن نوظف ما قاله الشاطبي في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعراف الإنسانية، التي قامت على أساس مصلحي، وعدها من مكارم الأخلاق، فالإسلام لم يلغها بل استوعبها، وبنى عليها، فأقر العرب على الدية، وأقر بعض المناسبات الدينية، فقد كان العرب يخصصون يوم الجمعة للعبادة فأقرهم على هذا وصوب ما جانب الصواب في أعمالهم.

وفي هذا يقول الشاطبي: "إن الالتفات إلى المعاني قد كان معلوما في الفترات، واعتمد عليه العقلاء، حتى جرت بذلك مصالحهم، وأعملوا كلياتها [ ص: 48 ] على الجملة، فاطردت لهم، سـواء في ذلك أهل الحكمة الفلسـفية وغيرهم، إلا أنهم قصروا في جملة من التفاصيل، فجاءت الشريعة لتتم مكارم الأخلاق، فدل على أن المشروعات في هذا الباب جاءت متممة لجريان التفاصيل في العادات على أصولها المعهودات، ومن ههنا أقرت هذه الشريعة جملة من الأحكام التي جرت في الجـاهلية، كالدية، والقسـامة، والاجتماع يوم العروبة -وهي الجمعة- للوعـظ والتذكير، والقراض، وكسـوة الكعبة، وأشـباه ذلك مما كان عند أهل الجاهلية محمودا، وما كان من محاسن العوائد ومكارم الأخلاق التي تقبلها العقول، وهي كثيرة، وإنما كان عندهم من التعبدات الصحيحة في الإسلام أمور نادرة مأخوذة عن ملة إبراهيم، عليه السلام" [3] .

وتأسيسا على ما ذكره الشاطبي، فأننا نتعامل بنظر مصلحي مع ما تقوم به الدول من أمور تخدم مصالح الشريعة، كالتنظيمات المتعلقة بالصحة والتعليم والإدارة والأمن مما هو من وظائف الدولة، ونؤيدها في هذه الوظائف.

وما تصدره الدولة القانونية من تشريعات تخدم مقاصد الشريعة، كحفظ الأمن وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض، تجوز طاعتها؛ لأنها أمرت بما هو مصلحة ولا معصية في، يؤيد هذا قوله، عليه الصلاة السلام: "صلوا خلف كل بر وفاجر... وجاهدوا مع كل بر وفاجر" [4] .

ويفهم من هذا التوجيه أن مصدر الإلزام في القرار السياسي يمكن أن [ ص: 49 ] يكون من المصلحة ولو شاب الجهة الآمرة بعض العيوب. وكما تقرر في قواعد المقاصد: "لا يبطل الأصل بالتكملة" [5] ، بمعنى أن الشروط في ولي الأمر ومنها العدالة من المكملات، فلا يتمسك بالمكمل إذا فوت الأصل المكمل، وهو من المصالح المهمة إلا أن يكون فوات المكمل مما يؤثر على الأصل.

ومن هنا على المسلم أن يسعى عبر الوسائل الدستورية للاقتراب بالدول من مقاصد الشريعة في العمران والتنمية، وهذا يستدعي فهم سبل التغيير وسبل التمكين بصناعة الوعي لدى المجتمع المسلم وتأهليهم للتأثير الواقعي عبر مشاركتهم في الخدمات العامة والأنشطة الاجتماعية بما يصنع التأثير الواقعي من جهة أخرى. ولا بد مع كل هذا من وجود نظرية سياسية تحدد وظائف الدولة وسبل التعامل معها، وهو ما يسعى هذا البحث لتحقيقه.

ويمكن أن نفيد هنا من تقسيم ابن خلدون حين قسم الدولة إلى ثلاثة أقسام [6] :

أ- الملك الطبيعي، ويماثل دولة الهوى والاستبداد، لحملها الناس على مقتضى الغرض والشهوة، وهي التي لا يحكمها قانون، وهذه أسوأ أنواع الدول.

ب- الملك السياسي، ويماثل دولة القانون، والمصلحة، وهي التي يتقيد الحكام فيها بقانون، ويحمل الكافة على النظر العقلي في جلب المصالح [ ص: 50 ] الدنيوية ودفع المضار.

ج- دولة الشريعة أو الخلافة، التي تقوم بالنيابة عن الأمة بتنفيذ أحكام الشريعة، ويتقيد الحكام فيها بالشريعة، ويحمل فيها الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية.

ولا ريب أن دولة القانون، التي تضمن للأفراد عدالة القضاء وعدم تحيزه خير من دولة الهوى، التي يحكمها الرشا والفساد والاستبداد. كما أن الوصول بالملكيات المطلقة إلى ملكيات تخضع لقانون يحقق العدالة لجميع المواطنين هو مكسب يستحق المدح في المعيار الإسلامي، يدلك على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح النجاشي ووصفه بأنه ملك "لا يظلم عنده أحد"

[7] .

ودولة الشريعة خير من دولة القانون، ذلك أن مفهوم العدل في الإسلام يقتضي أمرين:

الأول: حياد القضـاء ونزاهته، وهو ما يتحقق في دولة القانون، حيث إنها تمنع استبداد الحكام، إذ تقيدهم بقانون.

الثاني: عدالة التشريعات نفسها، بحيث تمنع ظلم القانون نفسه، أو تقنين الظلم، فالدولة القانونية قـد يوجد في تشـريعاتـها إجحاف بحق بعض الناس [ ص: 51 ] إذا وافق على القانون الأغلبية، فقد يميل القانون لصالح المالكين مثلا على حساب المستأجرين أو العكس، وربما يتحالف أصحاب المصالح في البرلمانات لحماية مصالحهم على حساب أقلية داخل البرلمان.. وكل هذه الاختلالات في الدولة القانونية الحديثة يملك الفقه الإسلامي وسائل لعلاجها بتقييد صلاحية المشرعين بسيادة التشريع الإسلامي.

كما أن مفهوم العدل في التشريعات يختلف بحسب المرجعية الفكرية، فبحسب المرجعية الليبرالية فإن العدالة تقتضي تخفيف دور الدولة ودور الدين إلى الحد الأدنى لمنح الفرد فرصة أكبر لتحقيق ذاته، وتقوم الفلسفة الليبرالية على المساواة التامة بين الأفراد.. وهذه الفلسفة طبقت عمليا في الغرب الليبرالي وأدت إلى نتائج خطيرة على مستوى الأسرة، فبعد تهميش دور الدين ظهرت أشكال من العلاقات الجنسية والإباحية والمثلية، وصار الأزواج يقتصرون على إنجاب طفل واحد بما يهدد المجتمع بالفناء؛ لأن بقاء المجتمع بنفس النسبة السكانية يستلزم أن ينجب كل أب وأم طفلين على الأقل.

وهذه الاختلالات في الفكر الليبرالي يملك الفكر الإسلامي حلا لها، فهو لا يقر النظرة الفردية البتراء؛ لأن الإنسان الفرد بالمفهوم الليبرالي غير موجـود إلا في خيـال النظريـة الليبرالية، فـالإنسـان يوجـد في أسـرة ويتـعلم في مدرسـة ويعمل في مجتمع ومن هنا تنشـأ الحقوق والالتزامات التـبادلية تجاه الآخرين.

ويسعى الفكر الليبرالي لفرض رؤيته على مواثيق حقوق الإنسان، إذ مثلا [ ص: 52 ] تنص الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على حق الفرد في الزواج دون أي قيد من لون أو عرق أو دين أو جنس، كما في المادة (16) من الإعلان العالمي للحقوق الإنسان، الفقرة (1):

- للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.

وتأكد هذا المعنى في الاتفاقيات اللاحقة كاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ويرمز لها بـ "سيداو"، وجاء في المادة (16) منه: تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية.. وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:

أ- نفس الحق في عقد الزواج.

ب- نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.

ج- نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه [8] .

وهذا النص ذو مرجعية ليبرالية واضحة، يغفل حقوق أطراف أخرى لهم علاقة في الزواج، كحق الأب في الكفاءة وهو حق لمصلحة الفتاة نفسها [ ص: 53 ] لحمايتها من الخداع، وهي قضية تحتاج إلى حماية قانونية سيما في زمن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وغيره، وتحدث حالات عديدة من الخداع للفتيات ربما تدفعها للتمرد على أهلها بما يوهمونها به من حياة بعيدة عن قيود الأهل، ثم بعد ذلك تتعرض للاستغلال والابتزاز.

ومنعا لاستغلال الفتاة وخداعها، قرر الفقه الإسلامي أن البنت تخطب من أبيها ثم من أوليائها حال غياب الأب [9] .

والإسلام يتفق مع الرؤية الليبرالية في حق كل فرد في الزواج، ولا يقبل أن يحرم الإنسان من حقه في الزواج، ولكنه يمتاز عن الرؤية الليبرالية في مراعاة حق الولي في الكفاءة، صونا للفتاة نفسها، كما يراعي شروطا تتعلق بالمحرمات الدينية، مما غفل عن ذكرها التشريع الليبرالي في مواثيق حقوق الإنسان.

وكذا في مسألة الإرث، يذهب الليبراليون إلى أن الأصل تساوي الورثة في حصصهم بقطع النظر عن الجنس إعمالا لظاهر المبادئ الدستورية من تساوي المواطنين أمام القانون بقطع النظر عن الجنس أو اللون، وفي هذا إغفال لما على الرجل من التزامات لا تطالب بها الفتاة.

فضلا عن وجود حالات لا يملك الفكر الليبرالي فيها معيارا لتقرير المساواة حين تختلف درجات القرب من الميت، كوجود بنات وأخوات وأبناء [ ص: 54 ] عم للميت، وفي المقابل نجد أن الفقه الإسلامي قدم تشريعا منضبطا لكل هذا الحالات يعرفها دارسو الميراث، فـتأخذ البنات في مثل هذه الحالة ثلثي التركة وتأخذ الأخوات الباقي، ويحجب أبناء العم الذكور تطبيقا لقاعدة: "اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة"

[10] .

وفي مقابل الفكر الليبرالي، يرى الفكر الاشتراكي أن العدل يقتضي تدخل الدول في تنظيم المجتمع على نحو واسع وتقييد الملكية الفردية.

ومن هنا، تأتي أهمية النظر في عدالة التشريع نفسه، وهو ما يمتاز به الفقه الإسـلامي، وذلك بتوازنه في حفظ حقوق الفرد والجماعة، وقدرته الواقعية على تحقيق المصـالح، وما يـمتـلـكه من مناهـج وخـطـط تـشريعيـة تـضـمن العدل عنـد التشريع الابتدائـي وعند التـطبـيق، ومن هذه الخطط النظر في مآلات الأفعال والاستـحـسـان، الـذي هـو الـتـفـات إلى المـصـلـحـة والعـدل واقعا وعملا.

كما أن وظائف الدولة في الفقه الإسلامي تتناول حماية المعرضين للضياع، وهو أمر لم تكن تعرفه النظرية الليبرالية في صورتها الأولية؛ لأنها تسعى لتقليل دور الدولة للحد الأدنى، ولكنها عالجت هذا الاختلال على نحو جزئي [ ص: 55 ] بعد أن دخلت مفاهيم التضامن الاجتماعي إلى واجبات الدولة، ولا يزال هناك تيار من الليبراليين الجدد يسعون للعودة بالنظرية لصورتها الأولى.

فالعدالة في المفهوم الليبرالي الرأسمالي تقوم على تقليل دور الدولة وفتح الباب للتنافس الحر، وفتح حرية التجارة لتدفق السلع، وإلغاء الحماية الجمركية [11] ، وهو أمر ينتفع به الأقوياء من الشركات الكبرى من الناحية الاقتصادية؛ لأنهم الممتلكون للقوة العملية على فرض مصالحهم، أما الضعفاء من صغار التجار فيسحقون ولا تملك الدولة أن توفر حماية لهم في ظل تضخم دور الشركات العابرة للقارات.

أما في النظرية الإسلامية لوظائف الدولة، فإن الدولة مكلفة بتوفير حماية للضعفاء بما يشمل تمكين صغار المستثمرين من البقاء في السوق والنمو.

والنظر الإسلامي في تعامله مع الدولة الحديثة، وانتقاده لبعض التشريعات، لا يقبل هدم دولة القانون ليكون البديل هو الدولة الاسـتبدادية أو الفوضى، وإنما يرى في دولة القانون وفي شكلها وفي أدواتها الرقابية وفي منهجها في تداول السلطة، خطوة متقدمة يسعى لإنضاجها والارتقاء بها، وتقييدها بما لا يعارض الشرع، وتحديد ما يناط بالدولة من وظائف بحسب الرؤية الإسلامية بما يترك للأفراد وللجماعة ميدانا للعمل والابتكار من غير تدخل من السلطة العامة بحيث يكون "العدل المطلق" سيد التشريعات ومهيمنا عليها، ويكون للأفراد حريتهم في تنظيم أنفسهم.

[ ص: 56 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية